Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 49-51)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِي إِسْرٰءِيلَ } ، أي : ويجعله رسولاً ، وكانت رسالةُ عِيسَىٰ عليه السلام إِلَىٰ بني إِسرائيل مبيِّناً حُكْمَ التوراة ، ونَادِباً إِلى العَمَل بها ، ومُحَلِّلاً أشياءَ ممَّا حرم فيها ؛ كَالثُّرُوبِ ولُحُومِ الإِبل ، وأشياء من الحِيتَانِ والطَّيْر ، ومن أول القول لِمَرْيم إِلى قوله : « إِسرائيل » : خطابٌ لمريم ، ومن قوله : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ } إِلى قوله : { مُّسْتَقِيمٌ } : يحتملُ أنْ يكون خطاباً لمريم ؛ علَىٰ معنى : يَكُونُ من قوله لِبَنِي إِسرائيل كَيْتَ وَكَيْتَ ، ويكون في آخر الكلام محذوفٌ يدُلُّ عليه الظاهرُ ، تقديره : فجاء عيسَىٰ بني إِسرائيل رسولاً ، فقال لهم ما تقدَّم ذكْرُهُ ، ويحتملُ أنْ يكون المحذوفُ مقدَّراً في صَدْرِ الكلامِ بعد قوله : { إِلَىٰ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ } ، فيكون تقديره : فجاء عِيسَىٰ ؛ كما بَشَّر اللَّهُ رسولاً إِلَىٰ بني إِسرائيل ؛ بأنِّي قد جئتكم ، ويكون قوله : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ } ليس بخِطَابٍ لِمَرْيَمَ ، والأول أظهر . وقوله : { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ … } الآية : قرأ نافعٌ : « إِنِّي أَخْلُقُ » بكسر الهمزة ، وقرأ باقي السَّبْعة بفَتْحها ، فوجه قراءةِ نافعٍ إِمَّا القَطْعُ والاستئناف ، وإِما أنه فسَّر الآية بقوله : « إِنِّي » ، كما فسر المَثَلَ في قوله : { كَمَثَلِ ءادَمَ } [ آل عمران : 59 ] ووجْه قراءة الباقين البَدَلُ من « آية » ؛ كأنه قال : وجئْتكم بِأَنِّي أخلْقُ ، و { أَخْلُقُ } : معناه : أقدِّر وأهيىء بيَدِي . * ص * : { كَهَيْئَةِ } : الهيئةُ : الشَّكْل والصُّورة ، وهو مصدر : هَاءَ الشَّيْءُ يَهِيـىءُ هَيْئَةً ، وَهَيَّأَ ، إِذا ترتَّب وٱستَقَرَّ علَىٰ حالٍ مَّا ، وتعدِّيه بالتضْعيف ، قال تعالَىٰ : { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا } [ الكهف : 16 ] اهـ . وقرأ نافعٌ وحْده : « فَيَكُونُ طَائِراً » ؛ بالإِفراد ؛ أي : يكون طائراً من الطيورِ ، وقرأ الباقونَ : « فَيَكُونُ طَيْراً » ؛ بالجمع ؛ وكذلك في « سورة المائدة » والطير : اسمُ جمعٍ ، وليس من أبنيةِ الجُمُوع ، وإِنما البنَاءُ في جَمْعِ طائرٍ : أَطْيارٌ ، وجَمْعُ الجَمْعِ : طُيُورٌ . وقوله : { فَأَنفُخُ فِيهِ } ، ذكَّر الضميرَ ؛ لأنه يحتملُ أنْ يعود على الطِّينِ المهيِّـىء ، ويحتملُ أنْ يريد : فأنفُخُ في المذكور ، وأنَّثَ الضميرَ في « سورة المائدة » ؛ لأنه يحتمل أنْ يعود على الهيئة ، أوْ علَىٰ تأنيثِ لَفْظ الجَمَاعة ، وكَوْنُ عيسَىٰ يخلُقُ بيده ، وينفُخُ بِفِيهِ ، إِنما هو ليبيِّن تلبُّسه بالمعجزةِ ، وأنها جاءَتْ من قِبَلِهِ ، وأمَّا الإِيجاد من العَدَمِ ، وخَلْقُ الحياةِ في ذلك الطِّينِ ، فمِنَ اللَّهِ تعالَىٰ وحده ، لا شريك له . ورُوِيَ في قَصَصٍ هذه الآية ، أنَّ عِيسَىٰ عليه السلام كانَ يَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : أَيُّ الطَّيْرِ أَشَدُّ خِلْقَةً ، وَأَصْعَبُ أنْ يُحْكَىٰ ؟ فيَقُولُونَ : الخُفَّاشُ ؛ لأَنَّهُ طَائِرٌ لاَ رِيشَ لَهُ ، فَكَانَ يَصْنَعُ مِنَ الطِّينِ خَفَافِيشَ ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهَا فَتَطِيرُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ ، وَمُعَايَنَتِهِمْ ، فَكَانُوا يَقُولُونَ : « هَذَا سَاحِرٌ » { أُبْرِىءُ } معناه : أزيلُ المَرَض ، و { ٱلأَكْمَهَ } : هو الَّذِي يُولَدُ أعْمَىٰ مضمومَ العَيْنَيْنِ ؛ قاله ابن عَبَّاسٍ وقتادة ، قال * ع * : والأَكْمَهُ ؛ في اللغة : هو الأعمَىٰ ، وقد كان عيسَىٰ عليه السلام يبرىءُ بدعائِهِ ، ومَسْحِ يدِهِ علَىٰ كل عاهة ، ولكنَّ الاِحتجاجَ علَىٰ بني إِسرائيل في معنى النبوَّة لا يقومُ إِلاَّ بالإِبراء من العِلَلِ التي لا يُبْرِىءُ منها طبيبٌ بوجْهٍ ، ورُوِيَ في إِحيائه الموتَىٰ ؛ أنه كان يَضْرِبُ بعَصَاهُ الميِّتَ ، أو القَبْرَ ، أو الجُمْجُمَةَ ؛ فَيَحْيَـى الإِنسانُ ، ويكلِّمه بإِذن اللَّه ، وفي قصص الإِحياء أحاديثُ كثيرةٌ لا يوقَفُ علَىٰ صحَّتها ، وآياتُ عيسَىٰ عليه السلام إِنما تَجْرِي فيما يُعَارِضُ الطِّبَّ ؛ لأن علْمَ الطِّبِّ كان شَرَفَ النَّاس في ذلك الزَّمَان ، وشُغْلَهُمْ ، وحينئذ أُثِيرَتْ فيه العجائبُ ، فلما جاء عِيسَىٰ عليه السلام بغرائبَ لا تقتضيها الأمزجةُ وأصولُ الطِّبِّ ؛ وذلك إِحياءُ الموتَىٰ ، وإِبراء الأكْمَهِ والأَبْرَصِ ، عَلِمَتِ الأطبَّاء ؛ أن هذه القوَّة من عند اللَّه ، وهذا كأمْرِ السَّحَرَةِ مع موسَىٰ ، والفُصَحَاءِ مع نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ووقع في التواريخِ المُتَرْجَمَة عن الأطبَّاء ؛ أنَّ جَالِينُوسَ كانَ في زمنِ عيسَىٰ عليه السلام ـ ، وأنه رحَل إِلَيْهِ مِنْ رُومِيَّةَ إِلَى الشَّامِ ، فَمَاتَ فِي طَرِيقِهِ ذلك . وقوله : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } الآية : قال مجاهدٌ وغيره : كان عيسَىٰ عليه السلام مِنْ لَدُنْ طفوليَّته ، وهو في الكُتَّابِ ، يخبرُ الصِّبْيان بما يفعل آباؤهم في منازِلِهِمْ ، وبما يُؤْكَلُ من الطعامِ ، ويُدَّخَرُ ، وكذلك إِلَىٰ أنْ نُبِّئى ، فكان يقول لكلِّ من سأله عن هذا المعنَىٰ : أَكَلْتَ البارحةَ كَذَا ، وٱدَّخَرْتَ كذا ، وقال قتادةُ : معنَى الآية : إِنما هو في نزول المائدةِ علَيْهم ، وذلك أنَّها لما نزلَتْ ، أخذ عليهم عَهْدَ أنْ يَأْكُلُوا ولا يَخْبَأَ أَحدٌ شيئاً ، ولا يدَّخره ولا يَحْمِله إِلَىٰ بيته ، فَخَانُوا ، وجعلوا يُخَبِّئُون ، فكان عيسَىٰ عليه السلام يُخْبِرُ كلَّ أحدٍ عمَّا أكل ، وعمَّا ٱدَّخَرَ في بَيْته من ذلك ، وعوقبوا على ذلك . وقوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } : تحذيرٌ ، ودعاءٌ إِلى اللَّه عزَّ وجلَّ . وقوله : { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } : إشارةٌ إلى قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } ، لأن ألفاظه جمعتِ الإِيمان والطَّاعاتِ ، والصِّرَاطُ : الطريقُ ، والمُسْتَقِيم : الذي لا ٱعوجَاجَ فيه .