Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 75-78)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ … } الآية : أخبر تعالَىٰ عن أهْل الكتاب ؛ أنهم قسْمَانِ في الأمانةِ ، ومَقْصِدُ الآية ذمُّ الخَوَنَةِ منْهم ، والتفنيدُ لرأيهم وكَذِبِهِمْ على اللَّه في ٱستحلالهم أموالَ العَرَبِ . قال الفَخْرَ وفي الآية ثلاثةُ أقوال : الأول : أنَّ أهل الأمانةِ منهم الَّذين أسْلَمُوا ، أمَّا الذين بَقُوا عَلَى اليهوديَّة ، فهم مصرُّون عَلَى الخيَانَة ؛ لأن مذهبهم أنَّه يحلُّ لهم قَتْلُ كلِّ من خالفهم في الدِّينِ ، وأَخْذُ ماله . الثَّاني : أنَّ أهل الأمانة منهم هم النصارَىٰ ، وأهل الخيانة هم اليهودُ . الثالث : قال ابنُ عَبَّاس : أوْدَعَ رجلٌ عبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ أَلْفاً ومِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فأدَّى إلَيْه ، وأودَعَ آخَرُ فِنْحَاصاً اليهوديَّ ديناراً ، فخانه ، فنزلَتِ الآية . اهـــ . قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامِهِ » : قال الطبريُّ : وفائدةُ هذه الآيةِ النهْيُ عن ٱئتمانِهِمْ علَىٰ مالٍ ، وقالَ شيْخُنا أبو عبدِ اللَّهِ المغربيُّ : فائدتُها ألاَّ يؤُتَمَنُوا علَىٰ دِينٍ ؛ يدُلُّ عليه ما بعده في قوله : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ } ، والصحيحُ عندي : أنها في المالِ نصٌّ ، وفي الدِّينِ تنبيهٌ ، فأفادَتِ المعنيين بهذَيْنِ الوجهَيْنِ . قال ابنُ العربيِّ : فالأمانةُ عظيمةُ القَدْرِ في الدِّينِ ، ومن عظيمِ قَدْرها أنها تقفُ على جَنَبَتَيِ الصِّراطِ لا يُمَكَّنُ من الجواز إلا مَنْ حفظها ، ولهذا وجَبَ علَيْكَ أن تؤدِّيها إلَىٰ من ٱئتمنَكَ ، ولا تَخُنْ مَنْ خانك ، فتقابل المعْصِيَةَ بالمَعْصية ؛ وكذلك لا يجوزُ أنْ تَغْدُرَ مَنْ غَدَرَكِ . قال البخاريُّ : باب إثْمِ الغَادِرِ للْبَرِّ والفَاجِرِ . اهـــ . والقِنْطَارُ ؛ في هذه الآية : مثالٌ للمالِ الكَثيرِ ، يَدْخُلُ فيه أكثر من القِنْطَارِ وأقلُّ ، وأَمَّا الدينار ، فيحتملُ أنْ يكون كذلك مثالاً لما قَلَّ ، ويحتملُ أنْ يريد أنَّ منهم طبقةً لا تخون إلا في دينار فما زاد ، ولم يُعْنَ لذكْرِ الخائنَين في أقَلَّ ؛ إذ هم طَغَامٌ حُثَالَةٌ ، ودَامَ : معناه : ثَبَثَ . وقوله : { قَائِمَاً } : يحتملُ معنيين : قال قتادة ، ومجاهد ، والزَّجَّاج : معناه : قَائِماً على اقتضاءِ حَقِّك ، يريدون بأنواع الاقتضاءِ من الحَفْزِ والمُرَافَعَةِ إلى الحاكِمِ مِنْ غَيْر مراعاة لهيئة هذا الدِّائِم . وقال السُّدِّيُّ وغيره : معنَىٰ قَائِماً : عَلَىٰ رأسه . وقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِينَ سَبِيلٌ } الآية : الإشارة بـــ « ذَلِكَ » إلى كونهم لا يؤدُّون الأمانة ، أي : يقولون نحن من أهل الكتاب ، والعرب أُمِّيُّونَ أَصْحَابُ أوثانٍ ، فأموالهم لنا حلالٌ ، متَىٰ قَدَرْنا على شيْءٍ منها ، لا حُجَّة عَلَيْنَا في ذلك ، ولا سبيلَ لمعترضٍ . وقوله تعالى : { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ذمٌّ لبني إسرائيل بأنهم يَكْذِبُونَ علَى اللَّه سبحانه في غير مَا شَيْءٍ ، وهم عَالِمُونَ بمواضعِ الصِّدْق . قال * ص * : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : جملةٌ حاليَّةٌ . اهـــ . ثم ردَّ اللَّه تعالَىٰ في صَدْر قولهم : { لَيْسَ عَلَيْنَا } ؛ بقوله : { بَلَىٰ } ؛ أي : عليهم سبيلٌ ، وحُجَّةٌ ، وتِبَاعَةٌ ، ثُمَّ أخبر ؛ علَىٰ جهة الشرط ؛ أنَّ مَنْ أوفَىٰ بالعَهْد ، وٱتَّقىٰ عقُوبةَ اللَّهِ في نَقْضه ، فإنه محبوبٌ عند اللَّه . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ … } الآية : آية وعيدٍ لمن فعل هذه الأفاعيل إلَىٰ يوم القيامة ، وهي آية يدخُلُ فيها الكُفْر فما دونه من جَحْد الحَقِّ وخَتْرِ المواثيقِ ، وكلٌّ يأخذ من وعيدها ؛ بحَسَب جريمتِهِ . قال ابنُ العربِيِّ في « أحكامه » : وقد ٱختلف الناسُ في سَبَب نزول هذه الآيةِ ، والذي يصحُّ من ذلك : أنَّ عبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ ٱمْرِىء مُسْلِمٍ ، لَقِيَ اللَّهَ ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلاً … } الآية ، قال : فجاء الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، فَقَالَ : فِيَّ نَزَلَتْ ؛ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ٱبْنِ عَمٍّ لِي ، وفِي رِوَايَةٍ : " كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ أَرْضٌ ، فَجَحَدَنِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : « بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ » ، قُلْتُ : إذَن يَحْلِفَ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وذَكَرَ الحديث " اهـــ . وقوله تعالى : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ … } الآية : يَلْوُونَ : معناه : يحرِّفون ويتحيَّلون ؛ لتبديل المعانِي من جهة ٱشتباهُ الألفاظ ، وٱشتراكِهَا ، وتشعُّب التأويلات ؛ كقولهم : { رٰعِنَا } [ البقرة : 104 ] ، { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } [ النساء : 46 ] ونحو ذلك ، وليس التبديلُ المحْضُ بِلَيٍّ ، وحقيقةُ اللَّيِّ في الثِّيَابِ والحِبَالِ ونحوها ، وهو فَتْلُها وإراغتها ؛ ومنه : لَيُّ العُنُق ، ثم استعمل ذلك في الحُجَج ، والخُصُوماتِ والمُجَادلاتِ ، والكِتَابُ ؛ في هذا الموضع : التوراةُ ، والضميرُ في « تَحْسَبُوهُ » للمسلمين . وقوله : { وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } : نفْيٌ أنْ يكون منزَّلاً من عند اللَّه ؛ كما ٱدَّعَوْا ، وهو من عند اللَّه ، بالخَلْق ، والاختراعِ ، والإيجاد ، ومنهم بالتكسُّبِ .