Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 79-80)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ … } الآية : معناه : النفْيُ التامُّ ؛ لأنا نقطع أنَّ اللَّه لا يؤتي النبوَّة للكَذَبَةِ والمدَّعِينَ ، و { ٱلْكِتَـٰبِ } هنا اسم جنس ، و { ٱلْحُكْمُ } : بمعنى الحكمةِ ؛ ومنه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحُكْماً " وقال الفَخْر . هنا ٱتفَق أهْلُ اللغة والتفْسير علَىٰ أنَّ هذا الحكم هو العلْم ، قال تعالى : { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } [ مريم : 12 ] يعني : العلم والفهم . اهـــ . « وثُمَّ » : في قوله : { ثُمَّ يَقُولُ } : معطيةٌ تعظيمِ الذنْبِ في القولِ بعد مُهْلة من هذا الإنعام ، وقوله : { عِبَاداً } : جمع « عَبْدٍ » ، ومن جموعه عَبِيد ، وعِبِدَّى . قال * ع * : والذي أستقْرَيْتُ في لفظة العِبَادِ ، أنه جَمْعُ عَبْدٍ ، متى سيقَتِ اللفظةُ في مضمارِ الترفيعِ ، والدلالةِ على الطاعة ، دون أنْ يقترن بها معنى التَّحْقير ، وتصغير الشأن ، وأما العَبِيدُ ، فيستعمل في التحْقِيرِ . قال * ص * : ونوقش ابْنُ عطيَّة بأنَّ « عِبِدَّى » : اسْمُ جمعٍ ، وتفريقه بيْن عِبَادٍ وعَبِيدٍ لا يصحُّ . اهـــ . قلتُ : وقوله تعالى : { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَـؤُلاَءِ } [ الفرقان : 17 ] ونحوه يوضِّحه . اهـــ . ومعنى الآيةِ : ما كان لأحَدٍ من النَّاسِ أنْ يَقُولَ : ٱعْبُدُونِي ، وٱجعلونِي إلَهاً ، قال النَّقَّاشُ وغيره : وهذه الإِشارة إلَىٰ عيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ ، والآية رادَّة على النصارَىٰ ، وقال ابنُ عَبَّاس وجماعةٌ من المفسِّرين : بل الإشارةُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ وسببُ نزولِ الآيةِ أنَّ أبا رافِعٍ القُرَظِيَّ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ ٱجتمعَتِ الأحبارُ من يهودَ ، والوَفْدُ مِنْ نَصَارَىٰ نَجْرَانَ : يَا مُحَمَّدُ ، إنَّمَا تُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ وَنَتَّخِذَكَ إلَهاً ، كَمَا عَبَدَتِ النَّصَارَىٰ عِيسَىٰ ، فَقَالَ الرَّئِيسُ مِنْ نَصَارَىٰ نَجْرَانَ : أَوَ ذَاكَ تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ ، وَإلَيْهِ تَدْعُونَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَعَاذَ اللَّهِ ! مَا بِذَلِكَ أُمِرْتُ ، وَلاَ إلَيْهِ دَعَوْتُ " ، فنزلَتِ الآية ، قال بعْضُ العلماءِ : أرادَتِ الأحبار أنْ تُلْزِمَ هذا القوْلَ محمَّداً صلى الله عليه وسلم ، لَمَّا تلا علَيْهِمْ : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي } [ آل عمران : 31 ] وإنَّما معنى الآيةِ : فَٱتبعونِي فيما أدْعُوكُمْ إليه مِنْ طاعة اللَّهِ ، فحرَّفوها بتأوُّلهم ، وهذا مِنْ نوع لَيِّهِمُ الكتابَ بألسنتهم ، قال الفَخْر وقال ابنُ عبَّاس : إن الآية نزَلَتْ بسبب قولِ النَّصَارَى : المَسِيحُ ٱبْنُ اللَّهِ ، وقولِ اليهود : عُزَيْرٌ ٱبْنُ اللَّه وقيل : إن رجلاً من المسلِمِينَ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ نَسْجُدُ لَكَ ؟ فَقَالَ ـــ عليه السلام ـــ : " مَا يَنْبَغِي السُّجُودُ إلاَّ لِلَّهِ " قيلَ : وقوله تعالَىٰ : { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } يقوِّي هذا التأويل . اهـــ . وقوله تعالَىٰ : { وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ } الآيةَ : المعنَىٰ : ولكنْ يقول : كونُوا ربانيِّين ، وهو جَمْعُ رَبَّانِيٍّ ، قال قومٌ : منْسُوبٌ إلَى الرَّبِّ ؛ من حيثُ هو عَالِمٌ ما علمه ، عَامِلٌ بطاعته ، معلِّم للناس ما أُمِرَ به ، وزِيدَتْ فيه النُّونُ ؛ مبالغةً ، وقال قومٌ : منسوبٌ إلى الرّبَّان ، وهو معلِّم الناس ، مأخوذ من : رَبِّ يَرُبُّ ، إِذا أصلح ، وَرَبَّىٰ ، والنُّون أيضاً زائدة ؛ كما زيدَتْ في غَضْبَان ، وعَطْشَان ، وفي البخاريِّ : الرَّبَّانِيُّ الذي يُرَبِّى النَاس بصغارِ العِلْمِ قبل كِبارِهِ . قال * ع * : فجملةُ ما يُقَالُ في الرَّبَّانِيِّ : أنه العالمُ بالرَّبِّ والشرعِ ، المصيبُ في التقديرِ من الأقوال والأفعال الَّتي يحاولُها في النَّاس ، وقوله : { بِمَا كُنتُمْ } : معناه : بسَبَبِ كونكُمْ عالمينَ دارِسِينَ ، فـــ « مَا » : مصدريةٌ ، وأسند أبو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ في كتاب « فَضْلِ العِلْمِ » ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " العِلْمُ عِلْمَانِ ، علْمٌ فِي القَلْب ، فَذَلِكَ العِلْمُ النَّافِعُ ، وعِلْمٌ في اللسان ، فذلك حُجَّة اللَّه ( عزَّ وجَلَّ ) على ٱبْنِ آدَمَ " ، ومِنْ حديثِ ٱبْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " هَلاَكُ أُمَّتِي عَالِمٌ فَاجِرٌ ، وعَابِدٌ جَاهِلٌ ، وَشَرُّ الشِّرَارِ جَبَّارُ العُلَمَاءِ ، وَخَيْرُ الخِيَارِ خِيَارُ العُلَمَاءِ " اهـــ . وقرأ جمهورُ النَّاس : « تَدْرُسُونَ » ؛ بضم الرَّاء : من دَرَسَ ، إذا أَدْمَنَ قراءةَ الكِتَابِ ، وكرَّره . وقرأ نافع وغيره : « وَلاَ يَأْمُرُكُمْ » ؛ برفع الراء : على القَطْع ؛ قال سِيبَوَيْهِ : المَعْنَىٰ لا يأمركم اللَّه ، وقال ابْنُ جُرَيْجٍ وغيره : المعنَىٰ : ولا يأمركم هذا البَشَر الذي أُوتِيَ هذه النعَمَ ، وهو محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وأما قراءةُ مَنْ نَصَب الراء ، وهو حمزةُ وغيره ، فهي عَطْفٌ على قوله : { أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ } ، المعنى : ولا له أنْ يأمركم ؛ قاله أبُو عَلِيٍّ وغيره ، وهو الصوابُ ، لا ما قاله الطَّبَرِيُّ ؛ من أنَّها عطْفٌ على قوله : { ثُمَّ يَقُولُ } ، والأربابُ ؛ في هذه الآية : بمعنى الآلهة .