Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 81-85)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ } : المعنى : وٱذْكُرْ يا محمَّد إذْ ، فيحتملُ أن يكون أخذ هذا الميثاق ؛ حين أَخرج بني آدم مِنْ ظَهْر آدم نَسَماً ، ويحتملُ أنْ يكون هذا الأخْذُ علَىٰ كلِّ نبيٍّ في زمنه ، ووقت بعثه ، والمعنَىٰ : إنَّ اللَّه تعالَىٰ أخذ ميثاقَ كُلِّ نبيٍّ ؛ بأنه ملتزمٌ هو ومن آمَنَ به الإيمانَ بمَنْ أَتَىٰ بعده من الرُّسُل ، والنَّصْرَ له ، وقال ابن عبَّاس : إِنما أخذ اللَّه ميثاقَ النَّبيِّين علَىٰ قومهم ، فهو أخذ لميثاقِ الجميع ، وقال عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ ( رضي اللَّه عنه ) : لَمْ يبعثِ اللَّهُ نَبِيًّا آدَمَ فَمَنْ بعده ، إلا أخذ عليه العَهْدَ في محمَّد صلى الله عليه وسلم : لَئِنْ بُعثَ ، وهو حيٌّ ، لَيُؤْمِنَنَّ به ، ولينصُرَنَّه ، وأمره بأخذه علَىٰ قومه ، ثم تلا هذه الآيةَ ، وقاله السُّدِّيُّ . وقرأ حمزةُ : « لِمَا » ؛ بكسر اللام ، وهي لامُ الجَرِّ ، والتقديرُ لأجْلِ ما آتيناكم ؛ إذْ أنتم القادَةُ والرءوس ، ومَنْ كان بهذه الحال ، فهو الذي يُؤْخَذُ ميثاقُهُ ، و « ما » في هذه القراءةِ بمعنَى « الَّذِي » ، والعائدُ إلَيْها من الصِّلَة ، تقديره : آتيناكموه ، و « مِنْ » : لبيانِ الجنسِ ، و { ثُمَّ جَاءَكُمْ … } الآية : جملةٌ معطوفةٌ على الصِّلة ، ولا بُدَّ في هذه الجملة مِنْ ضميرٍ يعودُ على الموصُول ، وإنما حذف ؛ تخفيفاً لطول الكلام ، وتقديره عند سيبويه : رَسُولٌ بِهِ مصَدِّقٌ لِمَا معَكُمْ ، واللامُ فِي : « لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ » هي اللامُ المتلقِّية للقَسَمِ الذي تضمَّنه أخْذُ الميثاقِ ، وفصل بَيْن القَسَم والمُقْسَم عليه بالجارِّ والمجرورِ ، وذلك جائِزٌ ، وقرأ سائِرُ السَّبْعة « لَمَا » ؛ بفتح اللام ، وذلك يتخرَّج على وجهين : أَحدهما : أنْ تكون « مَا » موصولةً في مَوْضع رفع بالابتداء ، واللاَّمُ لامُ الابتداء ، وهي متلقِّية لما أُجْرِيَ مُجْرَى القَسَم من قوله تعالَىٰ : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } ، وخَبَرُ الابتداءِ قولُهُ : { لَتُؤْمِنُنَّ } ، ولَتُؤْمِنُنَّ : متعلِّق بقَسَمٍ محذوفٍ ، فالمعنَىٰ : واللَّهِ ، لَتُؤْمِنُنَّ ، قاله أبو عَلِيٍّ وهو متَّجِه ؛ بأنَّ الحَلِفَ يقع مرَّتين . والوجْهُ الثاني : أنْ تكونَ « ما » للجزاءِ شرْطاً ، فتكون في موضع نصبٍ بالفعلِ الذي بعْدَهَا ، وهو مجزومٌ ، و « جَاءَكُمْ » : معطوفٌ في موضع جزمٍ ، واللام الداخلَةُ عَلَىٰ « مَا » ليسَتِ المتلقِّية للقَسَمِ ، ولكنها الموطِّئةُ المُؤْذِنَةُ بمجيءِ لامِ القَسَم ، فهي بمَنْزِلَة اللاَّم في قوله تعالى : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } [ الأحزاب : 60 ] لأنها مؤذِنَةٌ بمجيء المتلقِّية للقسم في قوله : { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } [ الأحزاب : 60 ] وكذلك هذه مؤذنةٌ بمجيء المتلقِّية للقَسَمِ في قوله : « لَتُؤْمِنُنَّ » . وقرأ نافعٌ وحْده : « آتَيْنَاكُمْ » ، بالنُّون ، وقرأ الباقون : « آتَيْتُكُمْ » ؛ بالتاء ، ورَسُول ؛ في هذه الآية : اسمُ جنسٍ ، وقال كثيرٌ من المفَسرين هو نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى : { قَالَ ءأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي … } هذه الآية : هي وصْفُ توقيفِ الأنبياء - عليهم السلام - على إِقرارهم بهذا الميثاق ، وٱلتزامِهِم له ، { وَأَخَذْتُمْ } ؛ في هذه الآية : عبارةٌ عمَّا تحصَّل لهم من إيتاء الكُتُبِ والحِكْمة ، فَمِنْ حيْثُ أخذ عليهم ، أخذوا هم أيضًا ، وقال الطَّبَرِيُّ : { أَخَذْتُمْ } ؛ في هذه الآية : معناه : قَبِلْتُمْ ، والإصْر : العَهْد لا تَفْسِير له في هذا الموضع إلا ذَلِكَ . وقوله تعالى : { فَٱشْهَدُواْ } يحتملُ معنَيَيْنِ : أحدهما : فٱشهدوا علَىٰ أممكم المؤمنينِ بكُمْ ، وعلى أنْفُسِكُمْ بٱلتزامِ هذا العَهْد ، قاله الطَّبَرِيُّ ، وجماعة . والمعنى الثاني : بُثوا الأمْرَ عنْد أممكم ، وٱشْهَدُوا به ، وشهادةُ اللَّهِ علَىٰ هذا التأويل هي إعطاء المُعْجَزَاتِ ، وإقرارُ نُبُوَّاتهم ، هذا قَوْلُ الزَّجَّاج وغيره . وقال * ع * : فتأمَّل أنَّ القول الأول هو إيداعُ الشهادةِ وٱستحفاظُها ، والقولُ الثَّانِي هو الأمر بأدائها ، وحَكَمَ تعالَىٰ بالفِسْقِ علَىٰ مَنْ تولَّىٰ مِنَ الأمم بَعْدَ هذا الميثاق ، قاله عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ ، وغيره ، وقرأ أبو عَمرٍو : « يَبْغُونَ » ؛ بالياء مِنْ أَسْفَلُ مفْتُوحَة ، و « تَرْجِعُونَ » بالتَّاء من فوقُ مضمومةً ، وقرأ عاصمٌ بالياءِ من أسفَلُ فيهما ، وقرأ الباقُون بالتَّاء فيهما ، ووجوه هذه القراءاتِ لا تخفَىٰ بأدنَىٰ تأمُّل . و { تَبْغُونَ } : معناه : تَطْلُبُونَ . قال النوويِّ : ورُوِّينَا في كتاب ٱبْنِ السُّنِّيِّ ، عن السَّيِّدِ الجليلِ المُجْمَعِ على جلالته وحِفْظِهِ ودِيَانَتِهِ وَوَرَعِهِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ دِينَارٍ البَصْرِيِّ الشَّافِعِيِّ المشهور ؛ أنه قَالَ : لَيس رجُلٌ يكونُ على دابَّة صَعْبَةٍ ، فيقول في أذنها : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ، إلا وقَفَتْ بإذن اللَّه تعالَىٰ . وروِّينَا في كتاب ابن السُّنِّيِّ ، عن ابن مَسْعودٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " إذَا ٱنْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ ، فَلْيُنَاد : يَا عِبَادَ اللَّهِ ، ٱحْبِسُوا ، يَا عِبَادَ اللَّهِ ، ٱحْبِسُوا ، فَإنَّ للَّهِ عَزَّ وجَلَّ فِي الأَرْضِ حَاضِراً سَيَحْبِسُهَا " . قال النَّوويُّ : حَكَىٰ لِي بعُضْ شُيُوخِنا ؛ أَنَّهُ ٱنْفَلَتَتْ لَهُ دَابَّةٌ أَظْنُّهَا بَغْلَةً ، وَكَانَ يعرفُ هذا الحديثَ ، فقالَهُ ، فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ في الحَالِ ، وكنْتُ أَنَا مرَّةً مع جماعةٍ ، فٱنفلَتَتْ منَّا بهيمةٌ ، فَعَجَزُوا عَنْها ، فَقُلْتُهُ ، فوقَفَتْ في الحال بغَيْر سَبَبٍ سَوىٰ هذا الكلامِ . اهـــ . وَ { أَسْلَمَ } : معناه : ٱسْتَسْلَمَ ، عند الجمهور . واختلفوا في مَعْنَىٰ قوله : { طَوْعاً وَكَرْهاً } ، فقال مجاهد : هذه الآيةُ كقوله تعالَىٰ : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ لقمان : 25 ] فالمعنَىٰ : أنَّ إقرار كلِّ كافرٍ بالصانعِ هو إسلامٌ كرهاً ، ونحوه لأبي العالية ، وعبارته : كُلُّ آدمِيِّ ، فقد أقرَّ علَىٰ نفسه ؛ بأنَّ اللَّه رَبِّي ، وأنا عبده ، فمَنْ أشرك في عبادته ، فهو الذي أسلم كرهاً ، ومن أخلَص ، فهو الذي أسلم طَوْعاً . قال * ع * : والمعنَىٰ في هذه الآية يفهم كلُّ ناظر أنَّ الكره خاصٌّ بأهل الأرض . وقوله سبحانه : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ } : توقيفٌ لمعاصرِي نبيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكُفَّار . قوله تعالى : { قُلْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِم … } الآية : المعنَىٰ قُلْ : يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ وأمَّتُكَ : { ءَامَنَّا بِٱللَّهِ … } الآية , وقد تقدَّم بيانها في « البقرة » ، ثم حكم تعالَىٰ في قوله : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ … } الآيةَ ؛ بأنه لا يقبل من آدمي دِيناً غير دين الإسلام ، وهو الَّذي وافَقَ في معتقداته دِينَ كُلِّ مَنْ سمي من الأنبياء ـــ عليهم السلام ـــ ، وهو الحنيفيَّة السَّمْحة ، وقال بعض المفسِّرين : إن { مَنْ يَبْتَغِ … } الآيةَ ، نزلَتْ في الحارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قُلْتُ : وعلى تقدير صحَّة هذا القول ، فهي تتناولُ بعمومها مَنْ سواه إلى يوم القيامة .