Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 90-93)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا … } الآية : قال أبو العَالِيَة رُفَيْعٌ : الآيةُ في اليهودِ كَفَرْوا بمحمَّد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته ، وإقرارِهِمْ أنها في التَّوراة ، ثم ٱزدادوا كُفْراً ؛ بالذُّنوبِ الَّتي أصابوها في خلافِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ مِنَ الافتراءِ ، والبَهْتِ ، والسَّعْي على الإسلام ، وغير ذلك . قال * ع * : وعلَىٰ هذا الترتيبِ يَدْخُلُ في الآية : المرتدُّون اللاحقون بقُرَيْش ، وغيرُهم . وقال مجاهد : معنى قوله : { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } ، أي : أتموا علَىٰ كُفْرهم ، وبلغوا المَوْت به . قال * ع * : فيدخُلُ في هذا القولِ : اليهودُ ، والمرتدُّون ، وقال السُّدِّيُّ نحوه ، ثم أخبر تعالَىٰ أنَّ توبة هؤلاءِ لَنْ تقبَل ، وقد قررت الشريعةُ ؛ أنَّ توبة كلِّ كافر تقبل ، فلا بُدَّ في هذه الآيةِ مِنْ تخصيصٍ تُحْمَلُ عليه ، ويصحُّ به نَفْيُ قبولِ التَّوبة ، فقال الحسن وغيره : المعنَىٰ : لَنْ تُقْبَلَ توبتُهم عنْدَ الغَرْغَرَةِ والمعاينة ، وقال أبو العاليَةِ : المعنَىٰ : لَنْ تُقْبَلَ توبتْهم مِنْ تلك الذُّنُوبِ الَّتي أصابُوها مع إقامتهم على كُفْرهم بمحمَّد صلى الله عليه وسلم . قال * ع * : وتحتملُ الآية عنْدي أنْ تكونَ إشارةً إلَىٰ قومٍ بأعيانهم من المرتدِّين ، وهم الذين أشار إلَيْهم بقوله سبحانه : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً } [ آل عمران : 86 ] ، فأخبر عنهم أنَّه لا تكونُ منهم توبَةٌ ، فيتصوَّر قبولها ؛ فكأنه أخبر عن هؤلاء المعيَّنين ؛ أنهم يموتون كُفَّاراً ، ثم أخبر الناسَ عَنْ حُكْم كلِّ مَنْ يموت كافراً ، والمِلْء : ما شُحِنَ به الوعاء ، وقوله : { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } ، قال الزَّجَّاج : المعنَىٰ : لَنْ يقبلَ منْ أحدهم إنفاقُهُ وتقرُّباته في الدُّنْيَا ، ولو أنفق مِلْءَ الأرْض ذَهَباً ، ولو ٱفتَدَىٰ أيضًا به في الآخرة ، لَنْ يقبَل منْه ، قال : فأَعْلَمَ اللَّهُ أنه لا يُثِيبُهُم علَىٰ أعمالهم من الخَيْر ، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب . قال * ع * : وهذا قولٌ حسَنٌ ، وقال قوم : الواو زائدةٌ ، وهذا قولٌ مردودٌ ، ويحتملُ المعنَىٰ نفْيَ القَبُول علَىٰ كلِّ وجه ، ثم خص مِنْ تلك الوجوهِ أليقها وأحراها بالقَبُول ، وباقي الآية وعيدٌ بَيِّن ، عافانا اللَّه من عقابِهِ ، وخَتَمَ لنا بما خَتَمَ به للصَّالحين من عباده . وقوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ … } الآية : خطابٌ لجميعِ المؤمنين ، فتحتملُ الآية أنْ يريد لَنْ تنالوا بِرَّ اللَّه بكُمْ ، أي : رحمتَهُ ولُطْفَه ، ويحتملُ أنْ يريد لَنْ تنالوا درجَةَ الكمالِ مِنْ فعْلِ البِرِّ ؛ حتى تكونُوا أبراراً إلاَّ بالإنفاقِ المُنْضَافِ إلى سائر أعمالكم . قال * ص * : قوله : { مِمَّا تُحِبُّونَ } : « مِنْ » : للتبعيضِ ؛ تدلُّ عليه قراءةُ عبْد اللَّهِ : « بَعْضِ مَا تُحِبُّونَ » اهـــ . قال الغَزَّالِيُّ : قال نافعٌ : كانَ ابْنُ عُمَرَ مريضاً ، فٱشتهَىٰ سَمَكَةً طَرِيَّةً ، فحملتْ إلَيْه علَىٰ رغيفٍ ، فقام سائلٌ بالبابِ ، فأمر بدفعها إلَيْه ، ثم قَالَ : سمعْتُ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " أَيُّمَا ٱمْرِىءٍ ٱشْتَهَىٰ شَهْوَةً ، فَرَدَّ شَهْوَتَهُ ، وآثَرَ عَلَىٰ نَفْسِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ " اهـــ من « الإِحياء » . قال * ع * : وبسبب نزول هذه الآيةِ تَصَدَّقَ أبو طَلْحَةَ بحائِطِه المسمَّىٰ بَيْرَحاً ، وتصدَّق زيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بفَرَسٍ كان يحبُّها ، وكان عبد اللَّه بنُ عُمَرَ يشْتَهِي أكْلَ السُّكَّر باللّوز ، فكان يَشْتَرِي ذلك ، ويَتصدَّق به . قال الفَخْر : والصحيحُ أنَّ هذه الآية في إيتاء المالِ علَىٰ طريق النَّدْب ، لا أنها في الزكاة الواجِبَةِ . اهـــ . وقوله سبحانه : { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } شرطٌ وجوابٌ فيه وعْد ، أي : عليمٌ مُجَازٍ به ، وإن قَلَّ . وقوله تعالى : { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لّبَنِي إِسْرٰءيلَ … } الآية إخبارٌ بمَغِيَّب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يعلمه إلا اللَّه ، وعُلَماءُ أهْلِ الكِتَابِ ، وحِلاَّ : معناه : حَلاَلاً ، والآيةُ ردُّ على اليهودِ في زَعْمهم ؛ أنَّ كُلَّ ما حَرَّموه علَىٰ أنفسهم ؛ أنه بأمر اللَّه تعالَىٰ في التوراة ، فأكذبهم اللَّه تعالَىٰ بهذه الآية ، وقوله سبحانه : { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرٰءيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } ، أي : فهو محرَّم عليهم في التَّوْراة ، لا هذه الزوائد التي ٱفتَرَوْهَا . وقال الفَخْر : قوله تعالَىٰ : { مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } ، المعنَىٰ : أنَّ قَبْلَ نُزُولِ التوراةِ كان حَلاَلاً لبني إسرائيل كُلُّ أنواعِ المطْعُوماتِ سِوَىٰ ما حرَّمه إسرائيلُ علَىٰ نفسه ، فأما بعد نزولِ التوراةِ ، فلم يَبْقَ الأمرُ كذلك ، بل حَرَّم اللَّه عليهمْ أنواعاً كثيرةً بسبب بَغْيِهِمْ ، وذلك هو عَيْنُ النَّسْخِ الذي هُمْ له مُنْكِرُونَ . اهـــ . قال * ع * : ولم يختلفُ فيما علمتُ أنَّ سبَبَ تحريمِ يَعْقُوبَ ما حرَّمه علَىٰ نَفْسِهِ هو بمَرَضٍ أصابه ، فَجَعَلَ تحريمَ ذلِكَ شُكْراً للَّه ، إنْ شُفِيَ ، وقيل : هو وَجَعُ عِرْقِ النَّسَا ، وفي حديثٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ عِصَابَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ، قَالُوا لَهُ : يَا مُحَمَّدُ ، مَا الَّذِي حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ؟ فَقَالَ لَهُمْ : أُنْشِدُكُمْ بِاللَّه ! هَلْ تَعْلَمُونَ ؛ أنَّ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضاً شَدِيداً ، فَطَالَ سَقَمُهُ مِنْهُ ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْراً ، إنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ ، لَيُحْرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَيْهِ ، وَكَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إلَيْهِ لُحُومَ الإبِلِ ، وَأَحَبُّ الشَّرَابِ إلَيْهِ أَلْبَانَهَا ؟ قَالُوا : اللَّهُمَّ ، نَعَمْ " . قال * ع * : وظاهرُ الأحاديثِ والتفاسيرِ في هذا الأمْرِ أنَّ يعقوبَ ـــ عليه السلام ــــ حَرَّم لُحوم الإبلِ وألْبَانَهَا ، وهو يحبُّها ؛ تقرُّباً بذلك ؛ إذْ ترك الترفُّه والتنعُّم من القُرَبِ ، وهذا هو الزهْدُ في الدُّنْيا ، وإليه نَحَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ ( رضي اللَّه عنه ) ؛ بقوله : « إيَّاكُمْ وهذه المَجَازِرَ ؛ فإنَّ لها ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الخَمْرِ » ؛ ومِنْ ذلك قولُ أبِي حَازِمٍ الزاهِدِ ، وقدْ مَرَّ بسُوقِ الفَاكِهَةِ ، فرأَىٰ مَحَاسِنَهَا ، فقَالَ : مَوْعِدُكَ الجَنَّةُ ، إنْ شَاءَ اللَّهِ . وقوله عز وجل : { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ … } الآية : قال الزَّجَّاج . وفي هذا تعجيزٌ لهم ، وإقامةٌ للحجة علَيْهم .