Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } قرأ الجمهور : « غُلبت » ـــ بضم الغين ، ـــ وقالوا : معنى الآية : أنه بلغ أهلَ مكةَ أنّ الملكَ كِسْرَى هَزمَ جَيْشَ الروم بأذْرِعَاتٍ ؛ وهي أدنى الأرض إلى مكة ؛ قاله عكرمة . فَسُرَّ بذلك كفارُ مكةَ فبشر اللّه تعالى المؤمنين بأن الرومَ سيَغْلِبونَ في بضْعِ سنين ، فخرج أبو بكر رضي اللّه عنه إلى المسجد الحرام ؛ فقال للكفار : أسركم أن غُلِبَتِ الرُّوم ؟ فإن نبيَّنا أخبرنا عن اللّه تعالى : أنهم سَيغْلبون في بضع سنين ، فقال له أُبَيُّ بن خلف وأخوه أمية بن خلف : يا أبا بكر : تعالَ فَلْنَتَنَاحَبْ ، أي : نتراهنْ في ذلك ، فراهنهم أبو بكر على خمس قلائص ، والأجل ثلاث سنين ، وذلك قبل أن يحرم القِمار , فأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ فقال له : إن البضع إلى التسع ، ولكن زِدْهم في الرهن ؛ واستزدهم في الأجل ، ففعل أبو بكرٍ ، فجعلوا القلائصَ مائةً ، والأجل تسعةَ أعوامٍ ، فَغَلَبَتْ الرومُ فارسَ فِي أثْنَاءِ الأَجَلِ يوم بدر ورُوِيَ أن ذلك كان يوم الحُدَيْبِية ، يوم بيعة الرضوان ؛ وفي كلا اليومين كان نصرٌ من اللّه تعالى للمؤمنين ، وذكر الناسُ سرورَ المؤمنين بغلبةِ الروم ؛ من أجل أنهم أهل كتاب ، وفرحت قريشٌ بغلبة الفرسِ ؛ من أجل أنهم أهل أوثان . ونحوه من عبادة النار . وقوله تعالى : { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } . أي : له إنفاذ الأحكام من قبل ومن بعد هذه الغلبةِ التي بين هؤلاء ؛ ثم أخبر تعالى أن يوم غلبة الروم للفرس يفرح المؤمنون بنصر اللّه ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يريدُ : كُفَّارَ قريش والعرب ، أي : لا يعلمون أن الأمور من عند اللّه ، وأن وعده لا يُخْلَفُ ، وأن ما يورده نبيُّه حق . قال * ع * : وهذا الذي ذكرناه عُمْدَةُ ما قيل . ثم وصف تعالى الكفرةَ الذين لا يعلمون أمر اللّه وصِدْقَ وعدِه بأنهم إنما : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلأَخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ } ، قال صاحب « الكلم الفارقية » : الدنيا طَبَقٌ مسموم ، لا يعرف ضرره إلا أربابُ الفهوم . قوةُ الرغبة في الدنيا علامة ضعفها في الآخرة . بحسب انصرافُ الرغبةِ إلى الشيء ، يجدُّ الراغبُ في طلبه ، وتتوفَّرُ دواعيه على تحصيلهِ . المطلوبات تُظهر وتبيِّنُ أقدارَ طُلاَّبها ؛ فمن شَرُفَتْ همَّتُهُ شَرُفَتْ رغبته ؛ وعزت طلبته . يا غافل ، سكر حبك لدنياك ؛ وطول مُتابعتِكَ لَغاوِي هواك - أنساك عظمةَ مولاك ؛ وَثَنَاكَ عن ذكره وألهاك ؛ وَصَرَفَ وجه رغبتك عن آخرتك إلى دنياك . إنْ كنت من أَهل الاستِبْصَار ، فألقِ ناظرَ رغبتك عن زخارف هذه الدار ؛ فإنها مجمعُ الأكدار ، ومنبَعُ المضار ؛ وسِجْنُ الأَبرار ؛ ومجلس سرور الأشرار . الدنيا كالحيةِ تجمع في أنيابها ؛ سُمُومَ نَوَائِبِها ؛ وتفرغه في صميمِ قلوب أبنائها ، انتهى . قال عياض في الشفا : قال أبو العباس المبرِّد ـــ رحمه اللّه ـــ قَسَّم كِسرى أيامَه ؛ فقال : يَصْلُحُ يَوْمَ الريح للنوم ، ويومُ الغَيْم للصيد ، ويوم المطر للشُّرْب واللهو ، ويوم الشمس للحوائج . قال ابن خَالَوَيْهِ : ما كان أعرفَهم بسياسة دنياهم ، { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلأَخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ } ، لكنْ نبينَا محمداً صلى الله عليه وسلم جزأها ثلاثةَ أجزاء : جزءاً للَّه تعالى ، وجزءاً لأهله ، وجزءاً لنفسه . ثم جزَّأ جزءه بينه وبين الناس ؛ فكان يستعين بالخاصة على العامة ؛ وَيَقُولُ : أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إبْلاَغِي ؛ فَإنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ ، أَمَّنَهُ اللّهُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ ، انتهى . والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه ، يأخذ من هذه الآيةِ بحظٍّ . نوَّر اللّهُ قلوبَنا بهداه . * ت * : قد تقدم ما جاء في الفكرة في « آل عمران » . قال ابن عطاء اللّه : الفكرة سراج القلب ؛ فإذا ذهبت فلا إضاءة له . وقال : ما نفع القلبَ شيءٌ مثلُ عُزْلَةٍ يدخل بها ميدانَ فكرة ، انتهى وباقي الآية بَيِّن .