Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 33-47)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ … } الآية ، ابتداءُ إنحاءٍ على عَبَدَةِ الأَصْنَام . قال * ع * : ويلحق من هذه الألفاظ شيءٌ للمؤمنين ؛ إذا جاءهم فَرَجٌ بعد شدةٍ ؛ فعلقوا ذلك بمخلوقين ، أو بِحذْقِ آرائهم ، وغير ذلك ؛ لأن فيه قلة شكر للَّه تعالى ؛ ويسمى تَشْرَيكاً مجَازاً . والسلطانُ هنا البرهانُ من رسولٍ أو كتابٍ ، ونحوه . وقوله تعالى : { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } معناه فهو يُظْهِر حجتَهم ، ويغلبُ مذهبَهم ، وينطق بشركهم . ثم قال تعالى : { وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا } ، وكل أحد يأخذ من هذه الخُلُقِ بقسطِ ، فالمقل والمكثر ، إلا من ربطتِ الشريعةُ جأشَه ، ونَهَجَتِ السنة سبيلَه ، وتأدَّب بآداب اللّه ، فصبر عند الضراء ؛ وشكر عند السراء ، ولم يَبْطُرْ عند النِّعْمَةِ ، ولا قنط عند الابتلاءِ ، والقَنَطُ : اليأسُ الصريحُ . ثم ذكر تعالى الأمر الذي من اعتبره ؛ لم يَيْأْسْ من رَّوْح اللّهِ ـــ وهو أنه سبحانه يَخُصُّ من يشاء من عبادهِ بِبَسْطِ الرزق ، ويقدر على من يشاء منهم . فينبغي لكلِ عَبْدٍ أنْ يكونَ راجياً ما عند ربه . ثم أمر تعالى نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ أمراً تَدْخُلُ فيه أمته ـــ على جهة الندب ـــ بإيتاء ذي القربى حقَّه من صلة المالِ ، وحسنِ المعاشرة ولين القول ، قال الحسن : حقه المواساةُ في اليُسْر ، وقولٌ مَيْسُورٌ في العُسْرِ . قال * ع * : ومعظمُ ما قُصِدَ أمرُ المعونةِ بالمال . وقرأ الجمهور : { وَمَا ءَاتَيْتُمْ } بمعنى : أعطتيم ، وقرأ ابن كثير بغير مد ، وما فعلتم ، وأجمعوا على المد في قوله { وَمَا ءَاتَيْتُمْ مِّن زَكَوٰةٍ } والربا : الزيادة . قال ابن عباس وغيره : هذه الآية نزلتُ في هباتِ الثَّوابِ . قال * ع * : وما جَرَى مَجْرَاها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه ؛ كالسِّلمِ وغيرِه ، فهو وإن كانَ لاَ إثْمَ فيه ؛ فَلا أجْرَ فيه ولاَ زيادة عند اللّه تعالى ، وما أعْطَى الإنسانُ تَنْمِيَةً لِمالهِ وتطهيراً ؛ يريدُ بذلك وَجْهَ اللَّه تعالى ؛ فذلك هُو الذي يُجَازَى به أضعَافاً مضَاعَفَةً على ما شاء اللّه له . وقرأ جمهور السبعةِ « ليربوا » بإسناد الفِعل إلى الربا ، وقرأ نافعٌ وحدَه « لِتُرْبُوا » وباقي الآية بيِّن . ثم ذكر تعالى ـــ على جهة العبرة ـــ ما ظهرَ من الفسَادِ بسبب المعَاصي ، قال مجاهد : البَرُّ البلاد البعيدة من البحر ، والبحرُ السواحلُ والمدنُ التي على ضِفَّة البحرِ ، وظهورُ الفساد فيهما : هو بارتفاعِ البركاتِ ، ووقوعِ الرزايا ، وحدوثِ الفتنِ وتغلب العدوِّ ، وهذه الثلاثةُ توجَد في البر والبحر ، قال ابن عباس : الفسادُ في البحر : انقطاع صَيْدِه بذَنَوب بني آدم ، وقلما توجد أمة فاضلةٌ مُطِيعَةٌ مُسْتَقِيمَةُ الأعمال ؛ إلا يدفعُ اللّه عنها هذه الأمور ، والأمرُ بالعكس في المعاصي ، وبطر النعمة ؛ ليذيقهم عاقبة بعض ما عملوا ويعفوا عن كثير . و { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، أي : يتوبون ويراجعونَ بصائَرهم فِي طاعةِ ربهِم ؛ ثم حذَّر ـــ تعالى ـــ من يومِ القيامةِ تحذيراً يَعُمُّ العالمَ وإياهُمُ المقصد بقوله { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } الآية { وَلاَ مَرد لَهُ } : معناه : لَيْسَ فِيه رُجُوعٌ لِعَمَلِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُريد لاَ يَردُّهُ رَادٌّ . وهذا ظاهر بحسبِ اللفظ و { يَصَّدَّعُونَ } : معناه : يَتَفَرَّقُونَ بعد جمعهم إلى الجنةِ وإلى النار . ثم ذكر تعالى من آياته أشياءَ وهي ما في الرِّيحِ من المنافِع وذلك أنها بشرى بالمطر ويُلَقَّحُ بها الشجر ، وغير ذلك ، وتجري بها السفن في البحر . ثم آنسَ سبحانه نبيه عليه السلام بقوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ … } الآية ، ثم وعد تعالى محمداً عليه السلام وأمّته النصرَ بقوله : { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } وحقاً خبرَ كانَ قدَّمه اهتماماً .