Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 14-21)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } هاتان الآيتان اعتراض أثناء وصية لقمان و { وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } معناه ضعفاً على ضعف ، كأنه قال : حملته أمه والضَّعْفُ يتزيد بعد الضَّعْفِ إلى أن ينقضي أمده . وقال * ص * : { وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } حالٌ من أمه أي شدة بعد شدة ، أَوْ جَهْداً على جَهْدِ ، وقيل { وَهْناً } نطفةٌ ، ثم علقةٌ ، فيكونُ حالاً من الضميرِ المنصوبِ في { حَمَلَتْهُ } . انتهى . وقوله تعالى : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوٰلِدَيْكَ } . قال سفيان بن عُيَيْنَةَ : من صلى الصلواتِ الخمسَ فقد شكر اللّه تعالى ، ومن دعا لوالديه في إدبار الصلوات فقد شكرهما . وقوله سبحانه : { وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي } رُوِي أنَّ هاتين الآيتين نزلتا في شأن سَعْدِ بن أبي وقاص وأمه حَمْنَة بنْتِ أبي سفيانَ ، على ما تقدم بيانُه ، وجملةُ هذا البابِ ؛ أن طاعةَ الأبوين لا تُراعى في ركوب كبيرةٍ ، ولا في ترك فريضةٍ على الأعيان ، وتلزم طاعتُهما في المباحاتِ وتستحسن في ترك الطاعات الندب . وقوله سبحانه : { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } وصيةٌ لجميع العالم . وهذه سبيل الأنبياء والصالحين . وقوله تعالى ـــ حاكياً عن لقمان { يَٰبُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ … } الآية : ذكرَ كثيرٌ من المفسرين : إنه أراد مثقال حبة من أعمال المعاصي والطاعات ، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجيةٌ وتَخْويفٌ منضاف إلى تَبْيِينِ قدرة اللّه تعالى . وقوله : { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ } يَقْتَضِي حضاً على تغيير المنكر وإن نال ضرراً ، فهو إشعارٌ بأن المغيِّر يؤذي أحياناً . وقوله : { إِنَّ ذَٰلِكَ مِن عَزْمِ ٱلأُمُورِ } يحتمل أن يُرِيْدَ مما عزمه اللّهُ وأمَرَ بهِ ، قاله ابن جريج : ويحتمل أن يريدَ أنَّ ذلك من مكارم الأخلاق ، وعزائم أهل الحزم السالكينَ طريقَ النجاةِ ؛ قاله جماعة . والصَّعَرُ : الميْل ، فمعنى الآية : ولا تُمِلْ خَدَّك للناس كِبْراً عليهم وإعجاباً واحتقاراً لهم ؛ قاله ابن عباس وجماعة . وعبارة البخاري : ولا تُصَاعِر ، أي : لا تعرض والتَّصَاعُر : الإعْرَاضُ بالوجه ؛ انتهى . والمَرَحُ : النَّشَاط ، والمشي مَرَحَا : هو في غير شُغْل ، ولغير حاجة ، وأهل هذه الخُلُقِ ملازمون للفخر والخُيَلاَءِ ، فالمَرِحُ مختالُ في مَشيه ، وقد ورد من صحيح الأحاديث في جميع ذلك وعيدٌ شديدٌ يطول بنا سردَهُ . قال عيَاضٌ : كان أبو إسحاقَ الجبنياني قَلَّ ما يتركُ ثَلاَثَ كَلِماتٍ ؛ وفيهن الخيرُ كلُّه : اتَّبِعْ وَلاَ تَبْتَدِعْ . ٱتَّضِعْ وَلاَ تَرْتَفِعْ ، مَنْ وَرِعَ لا يَتَّسِعْ , انتهى . وغضُّ الصوتِ أوقرُ للمتكلم وأبسطُ لنفس السامع وفهمِه ، ثم عَارَضَ ممثلاً بصوت الحَمِير على جهة التشبيه ، أي : تلك هي التي بَعُدت عن الغَض فهِي أنكَرُ الأصوات ، فكذلك ما بعُد عن الغَضِّ من أصوات البشر ؛ فهو في طريقِ تلك ، وفي الحديث : " إذَا سِمِعْتُمْ نَهِيقَ الحَمِيرِ ، فَتَعَوَّذُوا بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ؛ فَإنَّهَا رَأَتْ شَيْطاناً " . وقال سفيانُ الثوري : صياح كل شيءٍ تسبيحٌ إلا صياحُ الحمير . * ت * : ولفظ الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـــ : " إذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فاسألوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ ، فَإنَّهَا رَأَتْ مَلَكاً ، وَإذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ ، فَتَعَوَّذُوا بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ؛ فَأَنَّهُ رَأَىٰ شَيْطَاناً " رواه الجماعَة إلا ابن ماجَهْ . وفي لفظ النسائي : " إذَا سَمِعْتُمْ الدِّيَكَةَ تَصِيحُ بِاللَّيْلِ " ، وعن جابرٍ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إذَا سَمِعْتُمْ نِبَاحَ الْكِلاَبِ وَنَهِيقَ الْحمِيرِ مِنَ اللَّيْلِ ، فَتَعَوَّذُوا بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ؛ فَإنَّهَا تَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ ، وَأَقِلُّوا الخُرُوجَ إذَا جَدَّتْ ؛ فَإنَّ اللّهَ يَبُثُّ في لَيْلِهِ مِنْ خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ " رواه أبو داود النسائي والحاكم في « المستدرك » . واللفظ له ، وقال صحيح على شرط مسلم ؛ انتهى ، من « السلاح » . وقوله تعالى : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَـٰهِرَةً وَبَاطِنَةً } . قال المُحَاسبيُّ ـــ رحمه اللّه ـــ الظاهرة : نعم الدنيا ، والباطنةُ : نعم العقبى . والظاهر عندي التعميمُ . ثم وقف تعالى الكفَرَة على اتِّبَاعهِم دين آبائِهم أيكونُ وهم بحالِ من يصير إلى عذاب السعير ، فكأنّ القائل منهم يقول : هم يتبعون دين آبائهم ولو كان مصيرهم إلى السعير . فدخلت ألف التوقيف على حرف العطف ؛ كما كان اتّساقُ الكلام فيه ؛ فتأملْه .