Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } الآية . قوله : { ٱتَّقِ } معناه : دُمْ على التَّقْوَى ، ومتى أُمر أحدُ بشيء وهو به مُتَلَبِّسٌ ؛ فإنما معناه الدوامُ في المستقبلِ على مثل الحالةَ الماضِيةَ . وحذره تعالى من طاعة الكافرين والمنافقين تنبيهاً على عداوتِهم ، وأَلاَّ يَطْمَئِنَّ إلى ما يُبْدُونَه من نَصَائِحِهم . والباء في قوله : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } زائدةٌ على مذهب سِيبَوَيْهِ ، وكأنه قال وكفى اللّه ، وغيرُهُ يَرَاهَا غَيْرَ زائدةٍ متعلقَة بـ « كفى » على أنه بمعنى : اكتف باللّه . واختلف في السبب في قوله تعالى : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } فقال ابن عباس : سببُهَا أن بعضَ المنافقينَ قَال : إن محمداً له قلبَانِ ، وقيل غير هذا . قال * ع * : ويظهَرُ مِنْ الآية بِجُمْلَتِهَا أنَّها نَفيٌ لأشْيَاءَ كانت العربُ تعتقِدُها في ذلك الوقتِ ، وإعلام بحقيقةِ الأمرِ ، فمنها أن العربَ كانتْ تَقُول : إن الإنسانَ له قلبٌ يأمره ، وقلب ينهاه ، وكان تضادُّ الخواطِر يحملُها على ذلك ، وكذلك كانت العربُ تعتقد الزوجة إذا ظاهر منها بمنزلة الأم ، وتراه طلاقاً ، وكانت تعتقد الدَّعِيَّ المُتَبَنَّى ابْناً ، فَنَفَى اللّه ما اعتقدوه من ذلك . وقوله سبحانه : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } سببُها أمرُ زيد بن حارثة كانوا يَدْعُونَه : زيدَ بن مَحَمدٍ و { ٱلسَّبِيلَ } هنا سبيلُ الشرع والإيمان . ثم أمر تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء لآبائهم ، أي : إلى آبائهم للصُّلْبِ ، فمن جُهل ذلك فيه ؛ كان مولىً وأَخاً في الدين ، فقال الناسُ زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة ، إلى غير ذلك و { أَقْسَطُ } : معناه : أعدل . وقوله عزَّ وجل : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ … } الآية : رَفَعَ الحرجَ عَمَّنْ وَهِمَ وَنَسِيَ وأخْطَأَ ، فَجَرَى على العَادَةِ من نسبة زيدٍ إلى محمدٍ ، وغير ذلك . مما يشبهه ، وأبقى الجناح في المُتَعَمِّدِ ، والخطأُ مرفوعٌ عَنْ هذهِ الأمة عقابُه ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وقال ـــ عليه السلام ـــ : " مَا أَخْشَىٰ عَلَيْكُمُ الخَطَأَ وَإنَّمَا أَخْشَى العَمْدُ " . قال السُّهَيْلِيُّ : ولَمَّا نزلت الآيةُ وامتثَلَهَا زيدُ فقال : أنا زيد بن حارثة ؛ جَبَرَ اللّه وَحْشَتَهُ وشَرَّفَه بأن سَمَّاه باسْمِه في القرآن فقال : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } [ الأحزاب : 37 ] ومَنْ ذَكَرَهُ سبحَانه باسْمِه في الذِّكْرِ الحكيم ، حتى صَار اسمُه قرآناً يُتْلَىٰ في المحاريبِ ، فقد نَوَّه بهِ غَايَةَ التَّنْوِيهِ ، فَكَانَ فِي هذا تأنيسٌ له وَعِوَضٌ مِن الفَخْرِ بَأُبُوَّةِ سيِّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم له ؛ أَلاَ تَرَىٰ إلى قول أُبي بن كعب حين قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّهَ تَعَالَىٰ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ سُورَةَ كَذَا ، فَبَكَىٰ أُبَيٌّ وَقَالَ : أَوَ ذُكِرْتُ هُنَالِكَ " ، وكان بكاؤه من الفرح حِينَ أخْبِرَ أن اللّه تعالَىٰ ذَكَرَهُ ؛ فكَيْفَ بمَنْ صَار اسمُه قرآناً يُتْلَىٰ مخَلَّداً لا يَبِيدُ ، يتلُوهُ أهْلُ الدُّنْيَا إذا قرؤوا القرآن ، وأهْل الجَنَّةِ كذلِكَ فِي الجِنَانِ ، ثم زَادَهُ فِي الآية غَايةَ الإحْسَانِ أنْ قال : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 37 ] يعني بالإيمان ؛ فدلَّ على أنه عند اللّه من أهل الجِنَانِ ، وهذه فضيلةٌ أخرَىٰ هي غايةُ منتهَىٰ أمنية الأنْسَان ، انتهى .