Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 22-25)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ … } الآية . قالت فرقة : لما أمر ـــ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـــ بحفر الخندقِ أعلمهم بأنهم سَيُحْصَرَون ، وأمرهم بالاستعدادِ لذلك ، وأعْلمهم بأنهم سَيُنْصَرُوْنَ بعد ذلك , فلما رأوا الأحزاب : { قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية ، وقالت فرقة : أرادوا بوعد اللّه ما نَزَل في سورة البقرة من قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } [ البقرة : 214 ] إلى قوله { قَرِيبٌ } [ البقرة : 214 ] . قال * ع * : وَيُحْتَمَلُ أنهم أرادوا جميعَ ذلك . ثم أثنى سُبحانه على رجالٍ عَاهدوا اللّه على الاسْتِقَامَةِ فَوَفَّوْا ، وَقَضَوْا نَحْبُهُمْ ، أي : نَذْرَهُمْ ، وَعَهَدَهُمْ ، « والنَّحْبُ » فِي كَلاَمِ العَرَبِ : النَّذْرُ والشَّيءُ الذي يلتزمُهُ الإنسان ، وقَد يُسَمَّى المَوْتُ نَحْباً ، وبهِ فسَّر ابن عبَّاس وغيرُه هذه الآيةَ ، ويقال للذي جاهد في أمرٍ حتى ماتَ : قضى فيه نحبه ، ويقالُ لمن مات : قَضَى فلانُ نَحْبَه ؛ فمن سَمَّى المفسرون أنّه أُشِيرَ إليه بهذه الآية أنس بن النضر عَمُّ أنسِ بن مالكٍ ، وذلك أنه غَابَ عن بَدْرِ فساءَه ذلك ، وقال لَئِنْ شَهدت مع رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم مَشْهَداً ليَرَيَنَّ اللّهُ ما أصْنَعُ . فلما كان أحَدٌ أبلَى بلاءً حَسَناً حَتَّى قُتِلَ وَوُجِدَ فيه نَيِّفٌ على ثمانينَ جُرْحاً ، فكانوا يَروْنَ أن هذه الآيةَ في أنس بن النضر ونظرائه . وقالت فرقة : الموصوفون بقَضَاء النَّحْبِ ؛ هم جماعةٌ من أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَّوْا بِعُهُودِ الإسْلاَمِ عَلَى التَّمَامِ ، فالشُّهَداءُ منهم ، والعَشَرَةُ الذين شَهِدَ لهم رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بالجنّةِ منْهم ، إلى مَن حَصَل في هذه المرتبةِ مِمَّنْ لَم يُنَصَّ عليه ، ويُصَحَّحُ هذه المقالةَ أيضاً مَا رُوِيَ " أن رَسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم كان عَلَى المِنْبَرِ ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، مَنِ الَّذِي قَضَىٰ نَحْبَهُ ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً ، ثُمَّ دَخَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ عَلَىٰ بَابِ المَسْجِدِ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : « أَيْنَ السَّائِلُ ؟ فَقَالَ : هَأَنَذَا ، يا رسُولَ اللّه ، قَالَ : هَذَا مِمَّنْ قَضَىٰ نَحْبهُ » " . قال * ع * : فهذا أدل دليل على أَن النَّحْبَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِه المَوْتُ . وقال معاوية بن أبي سفيان : إني سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ ، وَرَوَتْ عَائِشَة نَحوَه . وقوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } يريدُ ومنهم من ينتظر الحصولَ في أعلى مَراتِب الإيمان والصلاحِ ، وهم بسبيل ذلك ومَا بدّلوا ولا غيّرُوا واللامُ في : { لِّيَجْزِيَ } يحتمل أن تكونَ لامَ الصيرورة أو « لامَ كي » ، وتعذيبُ المنافقينَ ثمرةُ إدامتِهم الإقامةَ على النفاقِ إلى مَوْتِهم ، والتوبَة موازيةُ لتلك الإدامة ، وثمرة التوبة تركهُمْ دونَ عذاب ، فهما درجتان : إدامَةُ على نفاقٍ أو تَوْبَةُ منه ، وعَنْهُمَا ثمرتان : تعذيبٌ أو رحمة . ثم عدَّدَ سبحانه ـــ نعمه على المؤمنين في هَزْمِ الأحزَاب ؛ فقال : { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ } .