Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 13-21)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ } أي : من المنافقين { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي : لا موضعَ قيام ومُمَانَعة ، فارْجِعوا إلى منازِلكم وبيوتِكم ، وكان هذا على جِهَة التخذيل عن رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم ، والفريقُ المتسأذِنُ هو أوسُ بن قيظي ؛ استأذنَ في ذلك على اتِّفَاقِ من أصحابهِ المنافقين ؛ فقالَ : { إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أيْ : مُنْكَشِفَة للعدو فأكذَبَهم اللّه - تعالى - ولو دخلت المدينة { مِّنْ أَقْطَارِهَا } أي : من نواحيها ، واشتد الخوف الحقيقي ، ثم سُئِلوا الفتنةَ والحَرْبَ لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لبادروا إليها وآتوها محبين فيها ولم يَتَلَبَّثُوا في بُيوتهم لحفظها إلاَّ يسيراً . قيل : قَدْرَ ما يأخذون سلاحَهم . ثم أخبر تعالى عنهم أنهم قد كانوا عاهدوا اللّه إثْر أُحُدٍ لاَ يُولُّونَ الأدْبَارَ وفي قوله تعالى : { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْؤُولاً } تَوَعُّدٌ وباقي الآية بَيِّن . ثم وبَّخَهُمْ بقوله : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } وهم الذين يُعَوِّقُونَ الناسَ عن نُصْرة الرسولِ ويمنعونهم بالأقوال والأفعال من ذلك ويَسْعَوْنَ على الدين ، وأما القائلون لإخوانهم هَلُمَّ إلينا فقال ابن زيد وغيره : أراد من كان من المنافقين يقول لإخوانه في النَّسَب وقَرَابته هلُم ، أَي : إلى المنَازِل والأكل والشربِ ، واترك القتالَ . ورُوِيَ : أَنَّ جماعةً فَعَلَتْ ذلك وأصلُ { هَلُمَّ } : ها المم . وهذا مِثْلُ تعليل « رَدَّ » من « ارْدُدْ » والبأسُ : القتالُ : و { إِلاَّ قَلِيلاً } معناه إلا إتياناً قليلاً ، و { أَشِحَّةً } جمع شَحِيحٍ والصَّوَابِ تَعْمِيمُ الشُّحِّ أنْ يكون بِكُلّ ما فيه للمؤمنين منفعة . وقوله : { فَإِذَا جَاءَ ٱلْخَوْفُ } قيل : معناه : فإذا قوي الخوفُ رأيتَ هؤلاءِ المنَافقين ينظرونَ إليك نَظَرَ الهَلِعِ المُخْتَلِطِ ؛ الذي يُغْشَى عَليه ، فإذا ذهب ذلك الخوفُ العظيمُ وَتَنَفَّسَ المختَنِقُ : { سَلَقُوكُم } أي : خاطبوكم مخاطبة بليغة ، يقال : خطيب سَلاَّقٌ ومِسْلاَقٌ ومِسْلَقٌ ولِسَان أيضاً كذلك إذا كان فصيحاً مقتدراً ووصف الألسِنة بالحدّة لقَطْعِها المعاني ونفوذِها في الأقوال ، قالت فرقةٌ : وهذا السَّلْقُ هو في مخادعةِ المؤمنِين بما يُرْضيهِم من القول على جهة المصانعة والمخاتلة . وقوله : { أَشِحَّةً } حال من الضمير في { سَلَقُوكُم } . وقوله : { عَلَى ٱلْخَيْرِ } يدل على عموم الشح في قوله أولاً : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } وقيل : المراد بالخير : المال ، أي : أشحة على مال الغنائِم ، واللّه أعلم . ثم أخبرَ تعالى عنهم أنهم لم يؤمنوا ، وجمهورُ المفسرينَ على أن هذه الإشارةَ إلى منافقينَ لم يكن لهم قط إيمان ، ويكونُ قولهُ : { فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي : أنها لم تُقْبَل قط ، والإشارة بذلك في قوله { وَكَانَ ذَٰلِكَ } إلى حبط أعمال هؤلاء المنافقين ، والضميرُ في قوله : { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ } للمنافقين ، والمعنى : أنهم من الفزع والجزع بحيثُ رَحَلَ الأحزابُ وهزمهَم اللّه تعالى ، وهؤلاء يظنون أنها من الخُدَعِ ؛ وأنَّهم لم يَذْهَبوا ، { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } ، أي : يرجعوا إليهم كرةً ثانية { يَوَدُّواْ } من الخوف والجبن { لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ } أي : خارجون إلى البادية . { فِي ٱلأَعْرَابِ } وهم أهل العَمُودِ لِيَسْلَمُوا من القتال . { يَسْأَلُونَ } أي من وَرَدَ عليهم . ثم سَلَّى سبحانه عَنْهُم وحَقَّر شَأْنَهُم بِأَنْ أخْبَرَ أنهمْ لَو حَضَرُوا لَمَا أَغْنَوا وَلَمَا قَاتَلُوا إلا قِتَالاً قَلِيلاً ؛ لا نفعَ لَه . ثُم قال تعالى ـــ على جهة الموعظة ـــ : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } حين صَبَرَ وجَادَ بنفسهِ ، و { أُسْوَةٌ } معناه قُدْوَة ، وَرَجَاءُ اللّه تَابع للمَعْرِفة به , ورجاء اليومِ الآخر ؛ ثمرة العمل الصالح ، وذكرُ اللّه كثيراً من خَير الأعمال فَنَبَّه عليه . * ت * : وعن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : أَنا مَعَ عَبْدِي إذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ " رواه ابن ماجه ، واللفظ له وابن حِبَّانَ في « صحيحه » ورواه الحاكم في « المستدرك » من حديث أبي الدرداء . وروى جابرُ بن عبد اللّه ؛ قال : خرج علينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَٰأَيُّهَا النَّاسُ ، إن لِلَّهِ سَرَايا مِنَ المَلاَئِكَةِ تَحُلُّ وَتَقِفُ عَلَىٰ مَجَالِسِ الذِّكْرِ فِي الأَرْضِ ، فَٱرْتَعُوا فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ ، قَالُوا : وأَيْن رِيَاضُ الجَنَّةِ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ : مَجَالِسُ الذِّكْرِ ؛ فَٱغْدُوا وَرُوحُوا فِي ذِكْرِ اللّهِ ؛ وذَكِّرُوهُ أنْفُسَكُمْ مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللّهِ ؛ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللّهِ عِنْدَهُ ؛ فَإنَّ اللّهَ يُنْزِلُ العَبْدَ مِنْهُ ، حَيثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ " رواه الحاكم في « المستدرك » وقال : صحيحُ الإسناد . " وعن معاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : سَأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللّهِ تَعَالَىٰ ؟ قَالَ : « أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ » " رواه ابن حِبَّانَ في « صحيحه » ، انتهى من « السِّلاَحِ » . ولَولاَ خشيةُ الإطالةِ ، لأتَيْتُ في هذا الباب بأحاديثَ كَثِيرَةٍ ، وروى ابنُ المُبَاركَ في « رقائِقه » قال أخبرنا سُفْيانُ ابن عيينة عن ابن أبي نجِيحٍ عن مجاهدٍ قَالَ : لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً والذَّاكرَاتِ ؛ حَتَّى يَذْكُرَ اللّهَ قَائِماً وَقَاعِداً وَمُضْطَجِعاً ، انتَهى . وفي « مصحف ابن مسعود » « يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ قَدْ ذَهَبُواْ فَإِذَا وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدُّوا أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ » .