Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-34)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا … } الآية ، ذَكَرَ جُلُّ المفسرين أن أزواج النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَأَلْنَه شَيْئاً من عَرَضِ الدنيا ، وآذَيْنَه بزيادة النَفَقَة والغَيْرَة ، فَهَجَرَهُنَّ وآلى أَلاَّ يقربَهن شَهْراً ، فنزلت هذه الآية ، فبدأَ بعائشة ، وقال : " يا عَائشَةُ ، إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً وَلاَ عَلَيْكِ أَلاَّ تَعْجَلِي حَتَّىٰ تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ ، ثُمَّ تَلاَ عَلَيْهَا الآيةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : وَفِي أَيِّ هَذَا أُسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ ؟ فَإنِّي أُرِيدُ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ثم قَالَتْ : وَقَدْ علِمَ أَن أَبَوَيَّ لاَ يَأْمُرَانِي بِفُراقِهِ ، ثُمَّ تَتَابَع أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ مِثْلِ قَوْلِ عَائِشَةَ فَٱخْتَرْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ رَضِيَ اللّه عنهن " . قالتْ فِرْقَةٌ قَوْله : { بِفَـٰحِشةٍ مُّبَيِّنَةٍ } يَعُمُّ جَمِيعَ المَعَاصِي ولزمهنَّ رضي اللّه عنهنَّ بحَسْبِ مَكَانَتُهُنَّ ، أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمَ غيرَهن ، فَضُوعِفَ لهنَّ الأجْرُ والعذابُ . وقوله : { ضِعْفَيْنِ } معناه : يكونُ العذابُ عذابَين ، أي : يضاف إلى عذابِ سائِر النَّاس عذابٌ آخرُ مِثْلهُ و { يَقْنُتْ } : معناه : يُطِيعُ ويَخْضَعُ بالعبُوديَّة ؛ قاله الشعبي وقتادة والرزقُ الكريمُ : الجنة . ثم خاطَبَهُنَّ اللّهُ سبحانه بأنّهنّ لَسْنَ كأحدٍ مِن نساءِ عَصْرِهنَّ ؛ فَمَا بَعْدُ ، بَلْ هُنَّ أَفْضَلُ بشرطِ التَّقْوَى ، وإنما خصصنا النساء لأَن فيمن تقدم آسية ومريم فتأملْهُ ؛ وقد أشار إلى هذا قتادة . ثم نَهَاهُنَّ سبحانه عما كانت الحالُ عليه في نساء العرَب من مكالَمَةِ الرجال برَخيمِ القولِ ؛ و { لاَ تَخْضَعْنَ } معناه : لا تُلِنَّ . قال ابن زيد : خَضْعُ القَوْل ما يُدْخل في القُلُوبَ العزَل ؛ والمرضُ في هذه الآية قال قتادة : هو النفاق . وقال عكرمة : الفِسْق ، والغزل ، والقولُ المعروفُ هو الصوابُ الذي لا تنكره الشريعةُ ولا النفوسُ . وقرأ الجمهور : « وقِرْن » ـــ بكسر القَافِ ـــ ، وقرأ نافعُ وعاصِمُ : « وقَرْن » ـــ بالفتح ـــ ، فأما الأولى فيصح أن تكونَ من الوَقار ، ويصحُّ أن تَكُونَ من القَرَارِ ، وأما قراءة الفتح فعلى لغة العرب قَرِرْتُ ـــ بِكَسْرِ الرَّاءِ ـــ ، أَقِرَ ـــ بفتح القاف في المكان ، وهي لغة ذكرها أبو عبيد في « الغريب » المصنف وذكرها الزَّجاجُ وغيره ، فأمرَ اللّه تعالى في هذه الآية نسَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بملازَمةِ بيُوتِهن ، ونَهاهُنَّ عن التبرجِ ؛ والتبرّجُ إظهَارُ الزينَةِ والتَّصَنُّعُ بِهَا ، ومنه الروجُ لظهُورها وانكشافِها للعيون ، واخْتَلَفَ الناسُ في { ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } فقالَ الشعبي : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، وقيل : غيرُ هذا . قال * ع * : والذي يظهر عندي ؛ أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقنها فَأَمِرْنَ بالنَّقْلَةِ عن سِيرَتِهنَّ فِيها ، وهي ما كانَ قَبْل الشَّرْعِ مِن سِيرةِ الكَفَرَةِ ، وجَعْلِها أولى بالإضافة إلى حالةِ الإسْلام ، وليس المعنى . أن ثُمَّ جاهليةً أخِرَة ، و { ٱلرِّجْسَ } اسم يقعُ على الإثم وعلى العذابِ وعلى النَجَاسَات والنقائِص ، فأذْهَبَ اللّه جميعَ ذلك عن أهْل البَيْتِ ، قالت أم سلمةَ نزلت هذه الآية في بَيْتي ؛ " فدعا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عليّا وفاطِمَةَ وحَسَنَا وحُسَيْنا فَدَخَلَ مَعَهم تَحْت كساءِ خيبري ، وقال « هؤلاءِ أهل بيتي ، وقرأ الآية ، وقَال اللَّهمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَقُلْتُ : وَأَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَقَالَ : أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتِ إلَىٰ خَيْرَ » " والجمهورُ على هذا ، وقال ابن عباس وغيره : أهل البيتِ : أزواجه خاصة ، والجمهور على ما تقدم . قال * ع * : والذي يظهر لي : أن أهل البيت أزواجه وبنتُه وبنوها وزوجُها أعنى عليّاً ، ولفظ الآية : يقتضي أن الزوجات من أهل البيت ؛ لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن . قال * ص * : و { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } : منصوبٌ على النداءِ أو على المدْحِ أو على الاخْتِصَاصِ وَهُوَ قَلِيلٌ في المخاطب ، وأكْثَرُ ما يكونُ في المتكلِّم ، كقوله [ الرجز ] @ نَحْنُ بَنَاتِ طَارِقْ نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ @@ انتهى . واسْتَصْوَبَ ابنُ هشامٍ نصبَه على النداء ، قاله في « المغني » : وقوله تعالى : { وَٱذْكُـرْنَ } يُعْطِي أنْ أهْل البيتِ نساؤه ، وعلى قول الجمهور : هي ابتداء مخاطبةِ والحكمةُ السّنّةُ ، فقولُه : { وَٱذْكُـرْنَ } يحتمل مَقْصِدَيْنِ : كِلاهما مَوْعِظَة أحدُهمَا : أن يريدَ تَذَكَّرْنَه ، واقْدِرْنَه قَدْرَه ، وفَكِّرْنَ فِي أنّ مَنْ هذِهِ حَالُه يَنْبَغِي أن تَحْسُنَ أَفْعَالُه ، والثاني : أن يُرِيْدَ : { ٱذْكُـرْنَ } بمعنى : احْفَظْنَ واقْرَأْنَ وَأَلْزِمْنَهُ أَلسنتَكنَّ . * ت * : ويحتمل أن يُرَادَ بـ { ٱذْكُـرْنَ } إفشاؤه ونشرُه للناس ، واللّه أعلم . وهذا هو الذي فهمُه ابنُ العربيِّ من الآية ، فإنَّه قال : أمر اللّه أزواجَ رسولهِ أن يُخْبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن وبما يَرَيْنَ من أفعالِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأقواله ، حتى يبلغَ ذلك إلى الناسِ ، فيعملوا بما فيه ويَقْتَدُوا به ، انتهى . وهوَ حسن وهو ظاهر الآية وقد تقدم له نحو هذا في قوله تعالى : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } [ النساء : 128 ] الآية . ذكره في « أحكام القرآن » .