Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 19-28)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } الآية : مُضَمَّنٌ هذه الآية الطعنُ على الكفرة وتمثيلُهم بالعمي والظلماتِ ؛ وتمثيلُ المؤمنِينَ بإزائهم بالبُصَرَاءِ والأنوارِ . و { ٱلْحَرُورُ } : شدة الحر . قال الفراء وغيره : إن السُّمُومَ يختص بالنَّهار و { ٱلْحَرُورُ } يقالُ فِي حِرِّ الليلِ وحرٍّ النهار . وتَأَوَّلَ قومٌ الظلَّ في هذه الآية الجنةَ والحرورَ جهنمَ وشبَّه المؤمنين بالأحياء ، والكَفَرَةَ بالأمْوَاتِ ؛ من حيثُ لا يفهمون الذكر ولا يُقْبلُون عليه . وقوله سبحانه : { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } تمثيلٌ بما يُحِسُّه البشرُ ويَعْهَدُه جميعاً من أن الميتَ الشخصَ الذي في القبر لا يسمعُ ، وأما الأرواحُ فلا نقول إنها في القبر ، بل تَتَضَمَّنُ الأحاديثُ أن أرواح المؤمنين ؛ في شجر عند العرش ، وفي قناديلَ وغير ذلك ، وأن أرواح الكفرةِ في سجين ، ويجوز في بعض الأحيان أن تكون الأرواح عند القبور ؛ فربما سمعت ، وكذلك أهل قَلِيبِ بَدْرٍ إنما سمعت أرواحهم ؛ فلا تعارض بين الآيةِ وحديث القُليبِ . وقوله تعالى : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } معناه : أن دعوةَ اللّه تعالى قد عمَّت جميعَ الخلق ، وإنْ كان فيهم مَنْ لَمْ تُبَاشِرْه النِّذَارَةُ ؛ فهو ممن بلغته ؛ لأَن آدم بُعِثَ إلى بَنِيه ، ثم لم تنقطع النذارة إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم و { البينات } و { الزبر } و { الكتاب المنير } : شيء واحد ؛ لكنه أكد أوصافَ بعضِها ببعضٍ . وقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ … } الآية : جمع « جُدَّة » وهي : الطريقةُ تكون من الأرض والجبلُ كالقطعة العظيمة المتصلة طولاً ، وحكى أبو عبيدةَ في بعض كتبه : أنه يقال : جُدَدٌ في جمع « جديد » ، ولا معنى لمدخلِ الجديد في هذه الآية ، وقال الثعلبي : وقيل الجُدَدَ القِطَع ؛ جُدَدْتَ الشيء ؛ إذا قطعتَه ، انتهى . وقوله : { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } لفظان لمعنى واحدٍ ، وقَدَّمَ الوصفَ الأبلغَ ، وكان حقُّه أن يتأخرَ ، وكذلك هو في المعنى ؛ لكنَّ الكلامَ العربِ الفصيحَ يأتي كثيراً عَلى هذا النحو ، والمعنى : ومنها ، أي : من الجبال ؛ سودَ غرابيبُ ، ورُوِي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ اللّهَ يَبْغَضُ الشَّيْخَ الْغَرِبيبَ " ؛ يعني : الذي يَخْضُبُ بالسَّوَادِ . { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابِّ وَٱلأَنْعَـٰمِ } ، أي : خَلقٌ مختلِفٌ ألوانهُ . وقوله تعالى : { كَذٰلِكَ } يحتمل أن يكونَ من الكلامِ الأول فيجيءُ الوقْفُ عليهِ حَسَناً ، وإلى هذا ذهب كثيرٌ من المفسرين . ويحتملُ أنْ يكونَ مِن الكَلامِ الثَّانِي ؛ خَرَجَ مخرج السببِ كأنّه قال : كما جاءتْ القدرةُ في هذا كلِّه كذلك { إنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَـٰؤاْ } ، أي : المحصلون لهذه العبرَ ، الناظرون فيها ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ أشدُّكُم لَهُ خشية " ؛ وقال صلى الله عليه وسلم " رَأْسُ الحِكْمَة مَخَافَةُ اللّه " . وقال الرَّبِيع بن أنس : مَنْ لم يخشَ اللّه فليسَ بعالمٍ ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : كفى بالزهدِ عِلما ، ويقال : إن فاتحةَ الزَّبور ؛ « رأس الحكمة خشيةُ اللّه » ، وقال ابن مسعود : كفى بخشيةِ اللّه علماً ، وبالاغترارِ به جهلاً . وقال مجاهد والشعبي : إنما العالمَ مَنْ يخْشَى اللّهَ . و { إِنَّمَا } في هذه الآية تَخْصِيصٌ لِلعلمَاء ؛ لاَ للحصر . قال ابن عطاء اللّه في « الحِكم » : العلمْ النافعُ هُو الذي يَنْبَسِط في الصدر شعاعُه ، ويُكْشَفُ به عن القلبِ قناعُه ، خَيرُ العلم ما كانت الخشيةُ مَعَه ؛ والعلم إن قارَنَتْهُ الخشيةُ فَلَكَ ؛ وإلا ؛ فَعَلَيْكَ . وقال في « التنوير » : ٱعلم أن العلمَ ؛ حيثُ ما تكرَّر في الكتابِ العزيز أو في السنة ؛ فإنما المرادُ به العلمْ النافعُ الذي تُقَارِنُه الخشيةُ وتَكْتَنِفُه المخَافَةُ : قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء } فبَيَّنَ سبحانه أنَّ الخشيةَ تُلازِمُ العلمَ ، وفُهِمَ من هذا أن العلماءَ إنما هم أهل الخشية . انتهى . قال ابن عَبَاد في « شرح الحكم » : واعلم أن العلمَ النافعَ المتفقَ عليه فيما سلف وخلف ؛ إنما هو العلم الذي يؤدي صاحبَه إلى الخوفِ ، والخشيةِ ، وملازمةِ التَّواضُع ، والذَّلَّةِ ، والتخلُّقِ بأخلاق الإيمان ، إلى ما يَتْبَعُ ذلك من بُغْضِ الدنيا ، والزَّهَادَةِ فيها ، وإيثارِ الآخرة عليها ، ولزوم الأدَب بين يَدَيْ اللّه تعالى ، إلى غير ذلك من الصفات العَلِيَّةِ والمَنَاحِي السَّنِيَّة » انتهى . وهذه المعاني كلها مُحَصَّلة في كتب الغزالي وغيره ؛ رضي اللّه عن جميعهم ، ونفعنا ببركاتهم . قال صاحب : « الكلم الفارقية والحكم الحقيقية » : العلم النافعُ ما زَهَّدَك في دنياك ، ورغَّبك في أخراك ، وزادَ في خوفِك وتَقْواك ، وبعثَك على طاعةِ مولاك ، وصَفَّاك مِن كَدَرِ هَوَاك . وقال ـــ رحمه اللّه ـــ : العلومُ النافعةُ ما كانتْ لِلْهِمَمِ رافعةً ، وللأهواءِ قامِعةً ، وللشكوكِ صَارِفةً دافعةً . انتهى .