Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 103-124)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي : أسلما أنفسهمَا ، واسْتَسْلَمَا للَّه ـــ عز وجل ـــ ، وقَرَأ ابن عبَّاس وجماعة : « سَلَّمَا » ، والمعنى فَوَّضَا إليه في قضائه وقَدَرِهِ ـــ سبحانه ـــ ، فأسْلَم إبراهيمُ ابْنَهُ ، وأسْلَمَ الابْنُ نَفْسَهُ ، قال بعْضُ البَصْرِيين : جوابُ « لما » محذوفٌ تقديره : فلما أسْلَمَا وَتَلَّهُ للجبينِ ، أُجْزِلَ أجْرُهُما ، ونحوُ هذا مِمَّا يَقْتَضِيهِ المعنَىٰ ، { وَتَلَّهُ } معناه : وَضَعَه بقوَّةٍ ومنْه الحديثُ في القِدْحِ : فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في يده ، أي : وضعه بقوَّة ، و { لِلْجَبِينِ } معناه : لتلك الجهةِ وعليها ، كما يقولون في المثلِ : [ الطويل ] @ … وخَرَّ صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ @@ وكما تقول : سَقَطَ لِشِقِّهِ الأيْسَرِ ، والجَبِينانِ : ما اكْتَنَفَ الجَبْهَةَ مِنْ ههنا ، ومن ههنا ، و « أَنْ » من قوله : { أَن يَٰإِبْرَٰهِيمُ } مُفَسِّرَةٌ لاَ مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإعْرَابِ ، و { صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا } يحتملُ أنْ يريدَ بقَلْبِكَ أو بِعَمَلِكَ ، و « الرؤيا » اسمٌ لِمَا يُرَىٰ مِن قِبَلِ اللَّهِ ـــ تعالى ـــ ، والمَنَامُ والحُلْمُ : اسمٌ لما يُرَىٰ منْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ ؛ ومنه الحديث الصحيح : " الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ " ، و { ٱلْبَلاَءُ } : الاخْتِبَارُ ، والذَّبْحُ العظيمُ في قول الجمهور : كَبْشٌ أبْيَضُ أعْيَنُ ، وَجَدَهُ وَرَاءَهُ مَرْبُوطاً بسَمُرَةٍ ، وأَهْلُ السُّنَّةِ عَلَىٰ أَنَّ هذه الْقِصَّةَ نُسِخَ فيها العَزْمُ على الْفِعْلِ ؛ خلافاً للمعتزلة ، قال أحمد بن نَصْرٍ الداوودي : وإنْ نَسَخَ اللَّهُ آيةً قَبْلَ العَمَلِ بِهَا ؛ فإنَّما يَنْسَخُها بَعْدَ اعْتِقَادِ قَبُولِها وهُوَ عَمَلٌ انتهى من تفسيره عند قوله تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ } [ البقرة : 106 ] قال * ع * : ولا خلافَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ أَمَرَّ الشَّفْرَةَ عَلَىٰ حَلْقِ ٱبْنهِ فَلَمْ تَقْطَعْ ، والجمهورُ أَنَّ أمْرَ الذَّبْحِ كانَ بِمِنًى ، وقال الشَّعْبِيُّ : رَأَيْتُ قَرْنَيْ كَبْشِ إبْرَاهِيمَ مُعَلَّقَتَيْنِ في الكَعْبَةِ ، وَرَوَىٰ عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " يَا فَاطِمَةُ ، قُومِي لاُّضْحِيَتِكِ ، فَٱشْهَدِيهَا ؛ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ ، وَقُولِي : إنَّ صَلاَتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ " قال عِمْرَانُ : قلت : يا رسُولَ اللَّهِ ، هَذَا لَكَ وَلأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً ، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً ؟ قَال : « لاَ ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً » رواه الحاكم في « المستدرك » انتهى من « السِّلاَح » . وقوله تعالى : { وَظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ } توعُّد لمنْ كَفَرَ من اليهودِ بمحمَّد ـــ عليه السلام ـــ ، و { ٱلْكِتَـٰبَ ٱلْمُسْتَبِينَ } : هو التوراةُ ، قال قتادة وابن مَسْعُود : إلْيَاسُ : هو إدريسُ ـــ عليه السلام ـــ ، وقالت فرقة : هو مِنْ وَلَدِ هَارُونَ ، وقرأ نافِعُ وابن عامِر : « عَلَىٰ آلِ يَاسِينَ » ، وقرأ الباقون : « عَلَىٰ إلْيَاسِينَ » ـــ بألفٍ مكسورةٍ ولامٍ ساكنةٍ ـــ ، فَوُجِّهَتِ الأولَىٰ ؛ علَىٰ أنها بمعنى : « أهْل » ، و « ياسِينُ » : اسمُ لإلياسَ ، وقيل : هو اسم لمحمَّد ـــ عليه السلام ـــ ، ووُجِّهَتِ الثانيةُ علَىٰ أَنَّها جَمْعُ « إلْيَاسِيٍّ » ، وقرأ ابن مسعود والأعمش : « وإنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ ، وَسَلاَمٌ عَلَىٰ إدْرِيسِينَ » ، قال السُّهيليُّ : قال ابن جِنِّيْ : العربُ تتلاعبُ بالأسماءِ الأعجميةِ تلاعباً ؛ فـ « ياسين » ، و « إلياسُ » و « اليَاسِينُ » شيءٌ واحدٌ ، انتهى . * ت * : وحكى الثعلبيُّ هنا حكايةً عَنْ عَبْدِ العزيزِ بْنِ أبي رواد ، عن رجلٍ لَقِي إلياسَ في أيَّام مَرْوانَ بن الحَكَمِ ، وأخبَرَهُ بعَدَدِ الأبْدَالِ وعَن الخَضِرِ في حكايةٍ طويلةٍ لا ينبغي إنكارُ مثلها ؛ فأولياءُ اللَّهِ يُكاشَفُونَ بِعَجَائِبَ ، فلا يُحْرَمُ الإنْسَانُ التَّصْدِيقَ بِهَا ، جعلنَا اللَّه مِنْ زُمْرَةِ أوليائه ، انتهى .