Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 91-102)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { فَرَاغَ إِلَىٰ ءَالِهَتِهِمْ } « راغ » معناه : مَالَ . وقوله : { أَلاَ تَأْكُلُونَ } هو على جِهَةِ الاسْتِهْزَاءِ بِعَبَدَةِ تلكَ الأصْنَامِ ، ثم مَالَ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى ضَرْبِ تلك الأصْنامِ بِفَأْسٍ حَتَّى جَعَلَها جُذَاذاً ، واخْتُلِفَ في معنى قوله : { بِٱلْيَمِينِ } فقال ابن عَبَّاس : أراد يُمْنَىٰ يَدَيْهِ ، وَقِيلَ : أرادَ بِقُوَّتِه ؛ لأنَّه كانَ يَجْمَعُ يَدَيْهِ مَعاً بِالفَأْسِ ، وقيل : أراد باليمينِ ، القَسَمَ في قوله : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] والضميرُ في « أقبلوا » لكُفَّارِ قَوْمِهِ و { يَزِفُّونَ } معناه : يُسْرَعُونَ ، وٱخْتَلَفَ المتأَوِّلُونَ في قوله : { وَمَا تَعْمَلُونَ } فَمَذْهَبُ جماعةٍ من المفسرين : أن « ما » مصدرية ، والمعنى : أنَّ اللَّهَ خَلَقَكُمْ وأَعْمَالَكُمْ ، وهذه الآيةُ عندهُمْ قَاعِدَةٌ في خَلْقِ اللَّهِ تعالَىٰ أفْعَالَ العِبَادِ ؛ وهو مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وقالت فرقة : « ما » بمعنى : الّذِي ، « والبنيان » قيل : كانَ في مَوْضِع إيقَادِ النَّارِ ، وقيل : بَلْ كَان لِلْمَنْجَنِيقِ الذي رُمِي عَنْه ، واللَّه أعلم . وقوله : { إِنّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّى … } الآية ، قالتْ فرقة : كان قولُهُ هذا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ النَّارِ ، وأنَّه أَشَارَ بِذَهَابِهِ إلَىٰ هِجْرَتِهِ مِنْ [ أَرْضِ ] بَابِلَ ؛ حَيْثُ كَانَتْ مملكةُ نُمْرُودَ ، فَخَرَجَ إلى الشَّامِ ، وقالت فِرْقَةٌ : قال هذه المقالةَ قَبْلَ أنْ يُطْرَحَ فِي النَّارِ ؛ وإنما أراد لِقَاءَ اللَّهِ ؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّ النَّارَ سَيَمُوتُ فِيها ، وقال : { سَيَهْدِينِ } أي : إلى الجَنَّةِ ؛ نَحَا إلَىٰ هذَا المَعْنَىٰ قتادةُ ، قال * ع * : وللعارفينَ بهذَا الذَّهَابِ تَمَسُّكٌ واحْتِجَاجٌ في الصَّفَاءِ ، وهُو مَحْمَلٌ حَسَنٌ في { إِنِّى ذَاهِبٌ } وحْدَهُ ، والتأويلُ الأولُ أظْهِرَ في نَمَطِ الآيةِ ، بما يأتي بَعْدُ ؛ لأنَّ الهدايةَ مَعَهُ تَتَرَتَّبُ ، والدُّعَاءُ في الوَلَدِ كذلك ، ولاَ يَصِحُّ مَعَ ذَهَابِ المَوْتِ ، وباقي الآيةِ تَقَدَّمَ قَصَصُهَا ، وأَنَّ الراجحَ أنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إسْمَاعِيلُ ، وذَكَرَ الطبريُّ أنَّ ابن عباس قال : الذبيحُ ، إِسماعيل ، وتَزْعُمُ اليهودُ أنَّهُ إسْحَاقُ ، وكَذَبَتِ اليهُودُ ، وذُكِرَ أيضاً أنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العزيزِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَجُلاً يهوديًّا كانَ أسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُه ، فَقَال : الذَّبِيحُ هُوَ إسْمَاعِيلُ ، وإن اليهودَ لَتَعْلَمُ ذلكَ ، ولكنهمْ يَحْسُدُونَكُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ : أنْ تَكُونَ هٰذِهِ الآيَاتُ وَالْفَضْلُ وَاللَّهِ في أَبِيكُمْ ، والسَّعْيُ في هذه الآيةِ : العَمَلُ والعبادةُ والمَعُونَةُ ، قاله ابن عَبَّاسٍ وغيرُهُ ، وقال قتادةُ : السَعْيُ على القَدَمِ يريدُ سَعْيَاً مُتَمَكِّنِاً ، وهذا في المعنَىٰ نَحْوُ الأوَّلِ . وقوله : { إِنِّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ … } الآية ، يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ رَأَىٰ ذلِكَ بِعَيْنِهِ ؛ ورُؤيا الأنبياءِ وَحْيٌ ، وعُيِّنَ لَهُ وقتُ الامْتِثَالِ ، ويُحْتَمَلُ أنَّه أُمِرَ في نومِه بِذَبْحِهِ ، فَعبَّر عَنْ ذلكَ بقوله : { إِنِّى أَرَىٰ } أي : أرى ما يوجبُ أنْ أذْبَحَكَ ، قال ابن العَرَبِيِّ في « أحكامه » : واعلم أن رُؤيا الأنبياءِ وَحْيٌ فَمَا أُلْقِيَ إليهم ، ونَفَثَ بهِ المَلَكُ في رُوعِهِمْ ، وضَرَبَ المثَلَ لَه عَلَيْهِم ـــ فَهُو حَقٌّ ؛ ولذلكَ قَالَتْ عَائِشَةُ : وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أنَّهُ يُنْزلُ فِيَّ قُرْآنٌ يُتْلَىٰ ، ولٰكِنِّي رَجَوْتُ أنْ يَرَىٰ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا حقيقةَ الرُّؤيا ، وأن البَارِيَ ـــ تعالىٰ ـــ يَضْرِبُهَا مثَلاً للناسِ ، فمنها أسماءٌ وكُنًى ، ومنها رُؤْيَا تَخْرُج بِصِفَتِهَا ، ومنها رُؤيا تَخْرُجُ بتأويلٍ ، وهُوَ كُنْيَتُهَا . ولما اسْتَسْلَمَ إبراهيمُ وولدُه إسماعيلُ ـــ عليهما السلام ـــ لقضاءِ اللَّهِ ، أُعْطِيَ إبراهيمُ ذَبِيحاً فِدَاءً ، وقيل له : هذا فداءُ وَلَدِكَ ، فامْتَثِلْ فِيه مَا رَأَيْتَ ؛ فإنَّه حقيقةُ مَا خاطبناك فيه ، وهُو كِنَايَةٌ لاَ ٱسْمٌ ، وجَعَلَهُ مُصَدِّقاً للرؤيا بمبادَرةِ الامْتِثَال ، انتهى .