Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 36-48)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ … } الآية ، كَانَ لسليمانَ كُرْسِيٌّ فيه جنودُهُ ، وتأتي عليه الريحُ الإعصارُ ، فَتَنْقُلُهُ من الأرضِ حتى يَحْصُلَ في الهواء ، ثم تتولاَّهُ الرُّخَاءُ ؛ وهي اللَّيِّنَةُ القويَّةُ لا تَأْتِي فيها دُفْعٌ مُفْرِطَةٌ فَتَحْمِلُهُ ؛ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ، { حَيْثُ أَصَابَ } : معناه : حيثُ أراد ؛ قاله وهْبٌ وغيره ، قال * ع * : وَيُشْبِهُ أنَّ [ أَصَابَ ] مُعَدَّىٰ « صَابَ يَصُوبُ » ، أي : حيث وَجَّه جنودَه ، وقال الزَّجَّاج : معناه : قصدَ ، قلت : وعليه اقْتَصَرَ أبو حيَّان ؛ فإنه قال : أصاب : أي قَصَدَ ؛ وأنْشَد الثعلبيُّ : [ المتقارب ] @ أَصَابَ الكَلاَمَ فَلَمْ يَسْتَطِع فَأَخْطَا ٱلْجَوَابَ لَدَى المَفْصِلِ @@ انتهى . وقوله : { كُلَّ بَنَّاءٍ } بَدَلٌ من { ٱلشَّيـٰطِينَ } و { مُقْرَّنِينَ } معناه : مُوثَقِينَ ؛ قد قُرِنَ بعضُهم ببعضٍ ، و { ٱلأَصْفَادِ } القيودُ والأغْلاَلُ ، قال الحَسَنُ : والإشارةُ بقوله : { هَـٰذَا عَطَاؤُنَا … } الآية ، إلى جميع ما أعطاهُ اللَّه سبحانه مِنَ الملكِ ؛ وأمرَه بأن يَمُنَّ عَلى من يشاءُ ويُمْسِكُ عَمَّنْ يشاء ، فكأنه وَقَفَهُ علَىٰ قَدْرِ النِّعمة ، ثم أباح له التصرُّفَ فيه بمشيئته ؛ وهذا أصح الأقوال وأجمعها لتفسير الآية ، وتقدَّمت قصة أَيُّوبَ في سورة الأنبياء . وقوله : { أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ … } الآية ، النُّصْبُ : المَشَقَّةُ ، فيحتمل أن يشيرَ إلى مسّه حين سلَّطَهُ اللَّه علَىٰ إهلاكِ مالِه وولدِه وجِسْمِه ؛ حَسْبَما رُوِيَ في ذلك ، وقِيلَ : أشار إلى مسِّه إياه في تعرُّضِه لأَهْلِه ؛ وطلبهِ منْهَا أنْ تُشْرِكَ باللَّه ؛ فكأَنَّ أَيُّوبَ تَشَكَّىٰ هذا الفَصْلَ ، وكان عليه أشدَّ مِن مَرَضه ، وهنا في الآية محذوفٌ تقديرُه : فاسْتَجَابَ له وقَال : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } فَرُوِيَ أَن أيوب رَكَضَ الأرض فَنَبَعَتْ له عينُ ماءٍ صافيةٌ باردةٌ ؛ فشرِبَ منها ، فذهَبَ كُلُّ مَرَضٍ في دَاخِلِ جَسَدهِ ، ثم اغْتَسَلَ فذهبَ ما كانَ في ظاهِر بَدَنِه ، ورُوِيَ أن اللَّه تعالى وَهَبَ له أهلَه ومالَه في الدنيا ، ورَدَّ من ماتَ منهم ، وما هلكَ من ماشيته وحالِه ، ثم باركَ له في جميعِ ذلك ، ورُوِيَ أن هذا كلَّه وُعِدَ به في الآخِرَة ، والأول أكْثَرُ في قول المفسِّرين . * ت * : وعن عبد اللَّه بن مسعود ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ ، إذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنُ : اللَّهُمَّ ، إني عَبْدُكَ وابْنُ عَبْدِكَ وابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ ٱسْمٍ هُوَ لَكَ ؛ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوِ ٱسْتَأْثَرْتَ بهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجَلاَءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إلاَّ أذْهَبَ اللَّهُ غَمَّه وَأبدَلَه مكَانَ حُزْنِهِ فَرَحَاً ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : يَنْبَغي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الكَلِمَاتِ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ " قال صاحب « السِّلاَح » : رواه الحاكم في « المُسْتَدْرَكِ » ، وابن حِبَّان في « صحيحه » . * ت * : وروينَاهُ من طريقِ النوويِّ عنِ ابن السُّنِّيِّ بسندهِ عَنْ أبي موسى الأشْعَرِيِّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : " أنا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابنُ أَمَتِكَ في قَبْضَتِكَ " ، وفيه : " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ : إنَّ المَغْبُونَ لَمَنْ غُبِنَ هَؤُلاَءِ الكلماتِ ، فَقَالَ : أَجَلْ ، فَقُولُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ ؛ مَنْ قَالَهُنَّ ، ٱلْتِمَاسَ مَا فِيهِنَّ أَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَىٰ حُزْنَهُ وَأَطَالَ فَرَحَه " انتهى . وقوله : { وَذِكْرَىٰ } معناه : موعِظَةٌ وتذكرةٌ يَعْتَبِرُ بها أُولُو العقولِ ، وَيَتَأَسَّوْنَ بِصَبْرِهِ في الشدائدِ ، ولا يَيْئَسُونَ من رحمة اللَّه علَىٰ حال . ورُوِي أن أيُّوبَ ـــ عليه السلام ـــ كانت زوجَتُهُ مدَّةَ مَرَضِه تَخْتَلِفُ إلَيْه فيتلقَّاها الشيطانُ في صورة طَبِيبٍ ، ومرةً في هيئة نَاصِح ؛ وعلى غير ذلك ، فيقول لها : لو سَجَدَ هذَا المريضُ للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبَرِىءَ ، لَوْ ذَبَحَ عَنَاقاً للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبِرىءَ ، ويَعْرِضُ عليها وجوهاً من الكفر ، فكانَتْ هي ربَّما عرضت شَيْئاً من ذلك على أيوب ، فيقولُ لها : لقيتِ عَدُوَّ اللَّهِ في طريقك ، فلمَّا أغْضَبَتْهُ بهذا ونحوِهِ ؛ حلَفَ عليها لَئِن برىء من مرضِه ليضربنَّها مائةَ سَوْطٍ ، فلما بَرِىءَ ؛ أَمَرَه اللَّه تعالى أن يأخُذَ ضِغْثاً فيه مائةُ قَضِيبٍ ، « والضغثُ » : القبضةُ الكبيرةُ من القضبانِ ونحوِها مَنَ الشجرِ الرَّطْبِ ؛ قاله الضَّحَّاكُ وأهلُ اللغة ، فيضربُ بهِ ضربةً واحدةً ، فَتَبَرُّ يمينُهُ ؛ وهذا حكمٌ قد وَرَدَ في شرعِنا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم [ مِثلُه في حدِّ الزنا لرجُلِ زَمِنٍ ، فأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ] بِعِذْقِ نَخْلَةٍ فِيهِ شَمَارِيخُ مِائَةٌ أو نَحْوُهَا ، فَضُرِبَ ضَرْبَةً ، ذكر الحديثَ أبو داود ، وقال بهذا بعضُ فقهاء الأمة ، وَلَيْسَ يرى ذلك مالكُ بنَ أنس وأصحابه ، وكذلك جمهورُ العلماء على ترك القول به ، وأن الحدودَ والبِرَّ في الأيمانِ لا تقع إلا بتمام عَدَدِ الضَّرَبَاتِ ، وقرأ الجمهور « أولي الأيدي » يعني : أولي القوة في طاعةِ اللَّه ؛ قاله ابن عباس ومجاهد ، وقالت فرقة : معناه : أولى الأيدي والنِّعَمِ الَّتي أسْدَاها اللَّهُ إليهم من النبوَّة والمكانةِ ، { وَٱلأَبْصَـٰرِ } عبارةٌ عن البصائِر ، أي : يُبْصرونَ الحقائِقَ وينظرونَ بنورِ اللَّهِ تعالى ، وقرأ نافع وحده : « بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّارِ » ، على الإضافة ، وقرأ الباقون « بِخَالِصَةٍ » على تنوينِ « خالِصَةٍ » فـ « ذِكْرَىٰ » على هذه القراءةِ بدلٌ من خالِصَةٍ فيحتملُ أنْ يكونَ معنى الآية : أنا أخلصناهم بأن خَلُصَ لهم التذكيرُ بالدارِ الآخرةِ ودعاءِ الناس إليها ؛ وهذا قول قتادةَ ، وقيل المعنى : أنا أخْلَصْنَاهم ، بأنْ خَلُصَ لهم ذكرَهم للدارِ الآخرة وخوفُهم لها والعملُ بحسب ذلك ؛ وهذا قول مجاهد ، وقال ابن زيد : المعنى أنا وَهَبْنَاهُمْ أَفْضَلَ مَا في الدارِ الآخرةِ ، وأخْلَصْناهم به ، وأعطيناهم إياه ، ويحتمل أن يريدَ بالدارِ دارَ الدنيا على معنى ذكر الثناءِ والتعظيمِ من الناس .