Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 34-35)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ } الآية ، * ت * : اعْلَمْ ـــ رَحِمَكَ اللَّهُ ــــ أن الناسَ قَدْ أَكْثَرُوا في قَصَصِ هذهِ الآيةِ بما لاَ يُوقَفُ على صِحَّتِه ، وحكى الثعلبي في بعض الروايات ؛ أنَّ سليمانَ ـــ عليه السلام ـــ لَما فُتِنَ ، سَقَطَ الخَاتَمُ مِنْ يَدِه ، وَكَانَ فِيه مُلْكُهُ ، فأعاده إلَىٰ يده ، فَسَقَطَ ؛ وأَيْقَنَ بالفتنة ، وأَنَّ آصِف بْنَ بَرْخِيَّا قال له : يا نبيَّ اللَّهِ ، إنَّكَ مَفْتُونٌ ؛ ولذلكَ لاَ يَتَمَاسَكُ الخَاتَمُ فِي يَدِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً ؛ فَفِرَّ إلى اللَّهِ تَعَالَىٰ تَائِباً مِنْ ذَنْبِكَ ، وَأَنَا أَقُومُ مَقَامَكَ في عَالَمِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَىٰ إلَىٰ أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْكَ ، فَفَرَّ سُلَيْمَانُ هَارِباً إلَىٰ رَبِّهِ مُنْفَرِداً لِعِبَادَتِهِ ، وأَخَذَ آصِفُ الخَاتَمَ ، فَوَضَعَهُ في يدِه ، فَثَبَتَ ، وقيلَ : إن الجَسَدَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تعالى : { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً } هُو آصِفُ كَاتِبُ سُلَيْمَانَ ، وهو الذي عندَه عِلْمٌ مِن الكتَابِ ، وأقام آصِفُ في ملكِ سليمانَ وعيالِهِ يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ الحسَنةِ ، ويَعْمَلُ بِعَمَلِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يوماً إلَىٰ أَنْ رَجَعَ سليمانُ إلى منزله تائِباً إلى اللَّه تعالَىٰ ، ورَدَّ اللَّه تعالَىٰ عليه مُلْكَهُ ، فأَقَامَ آصِفُ عن مجلسهِ ، وجَلَسَ سليمانُ عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ ، وأعادَ الخاتَمَ ، وقالَ سَعِيدُ بن المسيِِّب : إن سليمانَ بنَ دَاوُدَ ـــ عليهمَا السلامُ ــــ ٱحْتَجَبَ عنِ الناسِ ثلاثةَ أَيَّامٍ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ : أَنْ يا سُلَيْمَانُ ، ٱحْتَجَبْتَ عنِ الناسِ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ ، فَلَمْ تَنْظُرْ في أمُورِ عِبَادِي ، ولم تُنْصِفْ مَظْلُوماً مِنْ ظَالِمٍ ، وذكر حديثَ الخاتم كما تقدَّم ، انتهى ، وهذَا الذي نقلناه أشْبَهُ ما ذُكِرَ ، وأَقْرَبُ إلى الصَّوَابِ ؛ واللَّه أعلم ، وقال عِيَاضٌ : قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ } معناه : ابتَلَيْنَاهُ ، وابتلاؤه : هُو مَا حُكِي في الصحيحِ أنه قال : « لأَطُوفَنَّ الليلةَ عَلَىٰ مِائَةِ ٱمْرَأَةٍ كُلُّهُنَّ يَأْتِينَ بِفَارِسٍ يُجِاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَمْ يَقُلْ : « إنْ شَاءَ اللَّهُ » تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إلا امرأةٌ جاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ » ، الحديث ، قال أصحابُ المعانِي : والشِّقُّ هو الجسدُ الذي أُلْقِيَ عَلَىٰ كرسيه حين عُرِضَ عليه ؛ وهي كانتْ عقوبتُهُ ومحنته ، وقيل : بَلْ مَاتَ ، وألْقِيَ عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ مَيِّتاً ، وأما عَدَمُ استثْنَائِه ، فأحْسَنُ الأجوبةِ عنه ، ما رُوِيَ في الحديثِ الصحيح أَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يَقُولَ : « إنْ شَاءَ اللَّهُ » ، ولاَ يَصِحُّ مَا نَقَلَهُ الإخباريُون من تَشَبُّه الشيطانِ به وتسَلُّطِهِ عَلَىٰ مُلْكِهِ ، وتصرُّفِه في أمَّتِه ؛ لأن الشَيَاطِينَ لاَ يُسَلَّطُونَ عَلَىٰ مِثْلِ هذا ، وقد عُصِمَ الأنبياءُ من مثله ، انتهى ، * ت * : قالَ ابن العربي : { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً } يَعني جسدَه لا أجْسَادَ الشَّيَاطينِ ؛ كما يقولُه الضعفاءُ ، انتهى من « كتاب تفسير الأفعال » له ، قال ابنُ العربيِّ في « أحكامَه » : وما ذكره بعضُ المفسِّرينَ مِنْ أن الشيطان أخذَ خاتَمَهُ ، وجَلَسَ مجلسَه ، وحَكمَ الخَلْقَ عَلَىٰ لسانِه ـــ قولٌ باطلٌ قَطْعاً ـــ ؛ لأن الشياطينَ لا يَتَصَوَّرُونَ بِصُوَرِ الأَنْبِيَاءِ ؛ ولا يُمَكَّنُونَ من ذلك ؛ حتَّىٰ يظنَّ الناسُ أنَّهم مع نبيِّهم في حَقٍّ ، وهم مَعَ الشياطينِ في بَاطِلٍ ؛ ولو شاءَ ربُّكَ لوَهَبَ من المعرفةِ ( والدِّينِ ) لمنْ قَالَ هٰذا القولَ ما يَزَعُهُ عن ذِكْرِهِ ، ويَمْنَعُهُ مِن أَنْ يَسْطُرَهُ في دِيوَان من بعده ، انتهى . وقوله : { وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لأَحَدٍ } الآية ، قال * ع * : من المقطوعِ به أَنَّ سُلَيْمَانَ ـــ عليه السلامُ ـــ إنما قَصَدَ بذلكَ قَصْداً بِرًّا ؛ لأن للإنسان أن يرغبَ من فضلِ اللَّهِ فيما لا يَنَالهُ أحدٌ ؛ لا سيما بِحَسَبِ المَكَانَةِ والنبوَّةِ .