Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ … } الآية ، { تَنزِيلُ } رفعُ بالابتداءِ ، والخبرُ قوله : { مِنَ ٱللَّهِ } وقالتْ فرقَة : { تَنزِيلُ } خَبَرُ مبتدإ محذوفٍ ، تقديرُه : هذا تنزيلٌ ، والإشَارَةُ إلى القرآنِ ؛ قاله المفسرون ، ويظهرُ لِي أَنَّه اسمٌ عامٌ لجميعِ ما تَنَزَّلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فكأنَّه أخْبَرَ إخباراً مجرَّداً أَنَّ الكُتُبَ الهاديةَ الشارِعَة إنما تَنْزيلُهَا من اللَّه تعالَىٰ ، وجَعَلَ هذا الإخْبَارَ تَقْدِمَةً وتَوْطِئَةً لقوله : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } . وقوله : { بِٱلْحَقِّ } معناه : متضمِّناً الحَقَّ ، أي : بالحقِّ فيه ، وفي أحْكَامِهِ وأخباره ، و { ٱلدِّينَ } هنا يَعُمُّ المُعْتَقَدَاتِ وأعمالَ الجَوَارِحِ ، قال قتادة : و { ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } : « لاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ » . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ … } الآية ، أي : يقولون ، مَا نَعْبُدُهُمْ إلا ليُقَرِّبُونَا إلى اللَّه زَلْفَىٰ ، وفي مصحف ابن مسعودٍ : « قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ » وهي قراءة ابن عبَّاس وغيرِه ، وهذه المقالة شائعةٌ في العرب في الجاهلية يقولون في معبوداتِهم منَ الأصْنام وغيرها : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه ، قال مجاهد : وقد قال ذلك قومٌ من اليهودِ في عُزَيْرٍ ، وقومٌ من النصارَىٰ في عيسَىٰ . و { زُلْفَىٰ } بمعنى قُرْبَةٍ وتَوْصِلَةٍ ، [ كأنهم ] قَالُوا ليقرِّبونا إلى اللَّه تَقْرِيباً ، وكأنَّ هذه الطوائفَ كلَّها تَرَى نُفُوسَها أقلَّ من أن تَتَّصِلَ هي باللَّه ، فكانت تَرَىٰ أن تَتَّصِلَ بمخلوقاتِه . وَ { زُلْفَىٰ } عند سيبَوَيْهِ ، مَصْدَرٌ في موضع الحال كأَنَّه تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ « مُتَزَلِّفِينَ » والعاملُ فيه { لِيُقَرِّبُونَا } ، وقرأ الجَحْدَرِيُّ « كذَّابٌ كَفَّارٌ » بالمبالَغَةِ فيهما ، وهذه المبالغةُ إشارةٌ إلى التَوَغُّلِ في الكُفْرِ . وقوله تعالى : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } معناه : اتِّخَاذُ التشريفِ والتبنِّي ؛ وعلى هذا يستقيمُ قولُه تعالى : { لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ } وأمَّا الاتخاذُ المعهودُ في الشاهدِ فَمُسْتَحِيلٌ أن يُتَوَهَّمَ في جهة اللَّه تعالى ، ولا يستقيمُ عليه معنى قوله : { لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ } ، وقوله تعالى : { وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ مريم : 92 ] لفظٌ يعمُّ اتخَاذَ النسلِ واتخاذَ الاصطِفاء ، فأما الأول فمعقولٌ ، وأمَّا الثاني فمعروفٌ بخبر الشرع ، ومما يدل على أن مَعْنى قوله : { أَن يَتَّخِذَ } إنما المقصودُ به اتخاذُ ٱصطِفَاءٍ ، وَتَبَنٍّ ـــ قولُهُ : { مِمَّا يَخْلُقُ } أي : مِنْ موجوداتِه ومُحْدَثَاتِه ـــ ثم نَزَّهَ سبحانه نفسَه تنزيهاً مطلقاً عن كلِّ ما لاَ يَلِيقُ بهِ سبحانه . وقوله تعالى : { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ … } الآية ، معناه : يُعِيدُ مِنْ هَذَا على هذا ، ومنه كُورُ العِمَامَة التي يَلْتَوِي بعضُها على بعض ، فكأن الذي يطولُ مِن النهارِ أو الليلِ يصيرُ مِنْه على الآخرِ جُزْءٌ فيستُرُهُ ، وكأن الآخرَ الذي يَقْصُرُ يَلِجُ في الذي يَطولُ ، فيستَتِرُ فيه .