Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 22-22)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ … } الآية ، رُوِيَ أنَّ هذهِ الآيةَ نزلَتْ في عَلِيٍّ وحمزةَ وأبي لَهَبٍ وابنه ؛ وهمَا اللذان كَانا من القَاسِيَةِ قلوبُهُمْ ، وفي الكلامِ محذوفٌ يدلُّ عليه الظاهِرُ ؛ تقديره : أفمن شَرَحَ اللَّه صدره كالقاسِي القَلْبِ المُعْرِضِ عن أمرِ اللَّه ، وشَرْحُ الصدرِ : استعارةٌ لتحصيلهِ للنظر الجَيِّدِ والإيمانِ باللَّه ، والنُّورُ : هدايةُ اللَّه تعالَىٰ ، وهي أشبهُ شَيْءٍ بالوضَّوْءِ ، قال ابن مسعود : قلنا يا رَسُولَ اللَّهِ ! كَيْفَ ٱنْشِرَاحُ الصَّدْرِ ؟ قال : إذا دَخَلَ النُّورُ القَلْبَ ، ٱنْشَرَحَ وَانْفَسَحَ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّه ، وَمَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الإنَابَةُ إلَى دَارِ الخُلُودِ ، والتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ ، والتَّأَهُّبُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ ، والقسوةُ : شِدَّةُ القَلْب ، وهي مأخوذةٌ من قَسْوَةِ الحَجَرِ ، شَبَّهَ قَلْبَ الكافرِ بهِ في صَلاَبَتِهِ وقِلَّةِ ٱنْفِعَالِهِ ، للوَعْظِ ، وَرَوَى الترمذيُّ عن ابن عُمَرَ قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " لاَ تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ ؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وإنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ القَلْبُ القَاسِي " ، قال الترمذيُّ : هذا حديث حسنٌ غريبٌ . انتهى وقال مالكُ بن دِينَارٍ : مَا ضُرِبَ عَبْدٌ [ بعقوبةٍ ] أعْظَمَ من قَسْوَةِ قلبهِ ، قال ابن هِشَامٍ : قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } « من » هنا : مرادِفَةٌ « عَنْ » ، وقيل : هي للتعليلِ ، أي : مِنْ أجْلِ ذكر اللَّه ؛ لأنه إذا ذُكِرَ اللَّه ، قَسَتْ قلوبُهُمْ ؛ عياذاً باللَّه ، وقيل : هي للابتداءِ ، انتهى من « المغني » . قال الفَخْرُ : ٱعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ سببٌ لحصولِ النُّورِ والهدايةِ وزيادةِ ٱلاطْمِئْنَانِ في النفوس الطاهرة الروحانية ، وقد يُوجِبُ القَسْوَةَ والبُعْدَ عنِ الحَقِّ في النفوسِ الخبيثة الشيطانية ، فإذا عَرَفْتَ هذا ، فنقول : إنَّ رأسَ الأدْوِيَةِ التي تفيدُ الصحةَ الروحانيةَ ورُتْبَتَها هو ذِكْرُ اللَّهِ ، فإذا اتفق لبعضِ النفوسِ أنْ صَارَ ذِكْرُ اللَّهِ سبباً لازْدِيادِ مَرَضِها ، كانَ مَرَضُ تلكَ النفوسِ مَرَضاً لا يُرْجَىٰ زوالُهُ ، ولا يُتَوَقَّعُ علاجُهُ ، وكانَتْ في نِهَايَةِ الشَّرِّ والرَّدَاءَةِ ، فلهذا المعنَىٰ قال تعالَىٰ : { فَوَيْلٌ لِّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } وهذا كَلاَمُ كَامِلٍ مُحَقِّقٍ ، انتهى .