Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 23-23)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } يريد القرآن ، وروي عَنِ ابْنِ عبَّاس أن سبَبَ هذه الآيةِ أنَّ قَوْماً من الصحابةِ قالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَدِّثْنَا بِأَحَادِيثَ حِسَانٍ ، وَأَخْبِرْنَا بِأَخْبَارِ الدَّهْرِ ، فنزلَت الآية . وقوله : { مُّتَشَـٰبِهاً } معناه مُسْتَوِياً لا تَنَاقُضَ فيه ولا تَدَافُعَ ، بل يُشْبِهُ بَعْضُهُ بعضاً في رَصْفِ اللَّفْظِ ، ووَثَاقَةِ البراهينِ ، وشَرَفِ المعاني ؛ إذْ هِيَ اليَقِينُ في العقائدِ في اللَّهِ وصفاته وأفعالهِ وشرعهِ ، و { مَّثَانِيَ } معناه : مَوْضِعُ تَثْنِيَةٍ للقصَصِ والأقضيةِ والمَوَاعِظِ تُثَنَّىٰ فيهِ ولاَ تُمَلُّ مَع ذلك ولا يَعْرِضُهَا ما يَعْرِضُ الحديثَ المَعَادَ ، وقال ابن عباس ، ثَنَّىٰ فِيه الأَمْرَ مِرَاراً ، ولا ينصرفُ { مَّثَانِيَ } لأنه جمعٌ لا نَظِيرَ له في الواحد . وقوله تعالى : { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } عبارة عَنْ قفِّ شَعْرِ الإنسانِ عندَما يُدَاخِلُهُ خَوْفٌ ولِينُ قَلْبٍ عند سماعِ موعظةٍ أو زَجْرِ قرآن ونحوهِ ، وهذه علامةُ وقوعِ المعنى المُخْشِعِ في قلبِ السامعِ ، وفي الحديث ؛ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قرأ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَرَقَّتِ الْقُلُوبُ ؛ فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : " ٱغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ عِنْدَ الرِّقَّةِ ؛ فإنَّهَا رَحْمَةٌ " وقال العبَّاسُ بن عبد المُطَّلِبِ : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنِ ٱقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تعالى ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ اليَابِسَةِ وَرَقُهَا " ، وَقَالَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ : « كان أَصْحَابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ وتقشعرُّ جلودُهم عند سماع القرآن ، قيل لها : إن أقواماً اليومَ إذا سَمِعوا القرآن خَرَّ أحدُهم مَغْشِياً عليه ، فقالت : أعوذُ باللَّهِ من الشيطانِ » ، وعن ابن عمر نحوُه ، وقال ابن سيرين : بينَنَا وبين هؤلاء الذين يُصْرَعُونَ عند قراءة القرآن أن يُجْعَلَ أحَدُهم عَلى حَائِطٍ [ مَادًّا ] رِجْلَيْهِ ، ثُمَّ يُقْرأُ عَلَيْه القرآن كلُّه ، فإن رَمَىٰ بِنَفْسِهِ ، فهو صَادِقٌ . * ت * : وهذا كله تغليظٌ على المُرَائِينَ والمتصنِّعين ، ولا خلاف أعلمهُ بين أربابِ القلوبِ وأئمَّةِ التصوُّفِ أن المُتَصَنِّعَ عندهم بهذه الأمور مَمْقُوتٌ ، وأما مَنْ غَلَبَه الحالُ لِضَعْفِهِ وقَوِيَ الوارِدُ عليه حتَّىٰ أذْهَبَهُ عَنْ حِسِّه ؛ فهو إن شاء اللَّهُ مِن السادةِ الأخْيارِ والأولياء الأبرار ، وقَد وَقَعَ ذلك لكثير من الأخْيارِ يَطُولُ تَعْدَادُهم ؛ كابن وهب وأحمد بن مُعَتِّبٍ المالكيَّيْنِ ، ذكرهما عياض في « مداركه » ، وأنهما ماتا من ذلك ؛ وكذلك مالك بن دينار ماتَ مِنْ ذلك ؛ ذكره عبد الحَقِّ في « العاقبة » ، وغيرهم ممن لا يَحصَىٰ كثرةً ، ومن كلام عزِّ الدين بن عَبْدِ السَّلامِ ـــ رحمه اللَّه ـــ في قواعده الصُّغْرَىٰ قال : وقَدْ يَصِيحُ بَعْضُهُمْ لِغَلَبَةِ الحَالِ عَلَيْهِ ، وَإلْجَائِهَا إِيَّاهُ إلى الصِّيَاحِ ، وهو في ذلك مَعْذُورٌ ، ومَنْ صَاحَ لِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَمُتَصَنِّعٌ لَيْسَ مِنَ القَوْمِ في شَيْءٍ ، وكذلِكَ من أظهر شيئاً من الأحوال رياءً أو تسميعاً ، فإنه ملحَقٌ بالفجَّار دونَ الأبْرَارِ ، انتهى . وقوله تعالى : { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ } يحتملُ أَنْ يشيرَ إلى القرآن ويحتملُ أنْ يشير إلى الخَشْيَةِ وٱقْشِعْرَارِ الجُلُودِ ، أيْ : ذلك أَمَارَةُ هدَى اللَّهِ . قال الغَزَّالِيُّ في « الإحياء » : والمُسْتَحَبُّ من التالِي للقرآن أن يَتأثر قلبهُ بآثار مختلفةٍ بحسْبِ اخْتِلاَفِ الآيات ، فيكون له بحسَبِ كُلِّ فهمٍ حالٌ يَتَّصِفُ به قلبُهُ من الحُزْن والخَوْفِ والرجاءِ وغَيْرِ ذلك ، ومَهْمَا تَمَّتْ معرفتُهُ كانَتِ الخشْيَةُ أَغْلَبَ الأحْوَالِ عَلَىٰ قلبهِ ، انتهى ، قال الشيخ الوليُّ عبد اللَّه بن أبي جَمْرَةَ : وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قيامِهِ يَكْسُوهُ من كل آية يَقْرَؤُهَا حَالٌ يُنَاسِبُ مَعْنَىٰ تلكَ الآية ، وكذلك يَنْبَغِي أن تَكُونَ تلاوةُ القرآن وألاَّ يكونَ تالِيهِ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ، انتهى .