Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 36-44)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } تقوِيَةٌ لنَفْسِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ : « عباده » يريد الأنبياءَ ، وأنتَ يَا محمدُ أحدُهُمْ ، فيدخلُ في ذلكَ المُؤْمِنُونَ المطيعُونَ والمتوكِّلُونَ على اللَّه سُبْحَانَهُ . وقوله سبحانه : { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } أيْ : بالذين يَعْبُدُونَ ، وباقي الآية بَيِّنٌ ، وقد تقدَّم تفسيرُ نظيرِهِ . وقوله تعالى : { فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ } ، أيْ : فلنفسه عَمِلَ وَسَعَىٰ ، ومَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا جَنَىٰ ، ثم نبَّه تَعالَىٰ على آية مِنْ آياته الكبرى ، تدِلُّ الناظِرَ على الوحدانيَّةِ ، وأنَّ ذلك لا شِرْكَةَ فيه لِصَنَمٍ ، وهي حالةُ التَّوَفِّي ، وذلكَ أَنَّ ما تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ على الكَمَالِ ، فهو الذي يَمُوتُ ، وما تَوَفَّاهُ تَوفِّياً غَيرَ مُكَمَّلٍ فهو الذي يكونُ في النَّوْم ، قال ابن زيدٍ : النومُ وفاةٌ والموتُ وفاة وكثَّرَ الناسُ في هذه الآية ، وفي الفَرْقِ بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ ، وَفَرَقَ قَوْمٌ بَيْنَ نَفْسِ التمييزِ ونفس التخيُّل ؛ إلى غير ذلك مِن الأقوال التي هي غَلَبةُ ظَنٍّ ، وحقيقةُ الأمْرِ في هذا هي مما ٱستأثرَ اللَّه به وَغَيَّبَهُ عن عِبَادِهِ في قوله : { ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } [ الإسراء : 85 ] ويكفيكَ أن في هذه الآية { يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } ، وفي الحديثِ الصحيحِ : " إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أرْوَاحَنَا حِينَ شَاءَ ، وَرَدَّهَا عَلَيْنَا حِينَ شَاءَ " ، وفي حديث بلالٍ في الوَادي ؛ فقد نطقتِ الشريعةُ بقَبْضِ الرُّوحِ والنَّفْس ، وقد قال تعالى : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } والظاهرُ أنَّ الخَوْضَ في هذا كُلِّهِ عَنَاءٌ ، وإنْ كَان قَد تعرَّضَ للقَوْلِ في هذا ونحوه أئمةٌ ، ذَكَرَ الثعلبيُّ عن ابن عباس ؛ أنه قال : « في ابن آدم نَفْسٌ ورُوحٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ ، فالنَّفْسُ هِيَ الَّتي بها العَقْلُ والتمييزُ ، والرُّوحُ هي التي بها النَّفَسُ والتَّحَرُّكُ ، فإذا نام العَبْدُ قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَىٰ نَفْسَهُ ولم يَقْبِضْ رُوحَه » ، وجاءَ في آداب النَّوم وأذكار النائِم أحاديثُ صحيحةٌ ؛ ينبغي للعبدِ ألاَّ يُخْلِيَ نفسَه مِنها ، وقد رَوَىٰ جابرُ بن عبد اللَّه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : " إذا أَوَى الرَّجُلُ إلَىٰ فِرَاشِهِ ، ٱبْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ ، فيقُولُ المَلَكُ : ٱخْتِمْ بِخَيْرٍ ، ويقُولُ الشَّيْطَانُ : ٱخْتِمْ بِشَرٍّ ، فَإنْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَىٰ ، ثُمَّ نَامَ ؛ بَاتَ المَلَكُ يَكْلَؤُهُ ، فَإنِ ٱسْتَيْقَظَ ؛ قال الملكُ : ٱفْتَحْ بِخَيْرٍ ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ : ٱفْتَحْ بِشَرٍّ ، فإنْ قَالَ : الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي رَدَّ إلَيَّ نَفْسِي ، وَلَمْ يُمِتْهَا في مَنَامِهَا ، الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ ، وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إلاَّ بِإذْنِهِ ، إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، فإن وَقَعَ مِنْ سَرِيرهِ ، فَمَاتَ ، دَخَلَ الجَنةَ " ، رواه النسائي ، واللفظ له ، والحاكمُ في « المستدرك » وابن حِبَّانَ في « صحيحه » ، وقال الحاكم : صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ ، وزاد آخره : « الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي المَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » انتهى من « السِّلاح » ، وفيه عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ قَالَ حِينَ يَأوِي إلَىٰ فِرَاشِهِ : " لا إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ؛ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، ـــ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ أَوْ خَطَايَاهُ ـــ شَكَّ مِسْعَرٌ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ " رواه ابن حِبَّان في « صحيحه » ، ورواه النسائي موقوفاً ، انتهى ، وروى الترمذيُّ عن أبي أُمَامَةَ قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ : " مَنْ أَوَىٰ إلَىٰ فِرَاشِهِ طَاهِراً يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ ، لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يسألُ اللَّهَ شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ " ، انتهى ، والأجَلُ المُسَمَّىٰ في هذه الآيةِ : هُوَ عُمْرُ كُلِّ إنْسَانٍ ، والضمائرُ في قوله تعالى : { أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } : للأصنام .