Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 73-75)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } : لَفْظٌ يعمُّ كُلَّ مَنْ يدخلُ الجنةَ من المؤمنينَ الذين ٱتَّقَوُا الشِّرْكَ ، والواو في قوله : { وَفُتِحَتْ } مؤذِنَةٌ بأنها قَدْ فتحت قبل وصولهِم إليها ، وقالتْ فِرْقَةٌ : هي زائدةٌ وقالَ قَوْمٌ : أشَارَ إلَيْهِمُ ابن الأنباريِّ ، وضَعَّفَ قولَهُم : هذه واو الثمانيةِ ، وقد تقدَّم الكلامُ عليها ، وجَوابُ « إذا » فُتِحَتْ ، وعَنِ المُبَرِّدِ : جوابُ « إذا » محذوفٌ ، تقديره بعد قوله : { خَـٰلِدِينَ } : سُعِدُوا وسقطَتْ هذه الواوُ في مصحف ابن مسعود ، { وَسَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } تحيةٌ ، و { طِبْتُمْ } معناه : أعمالاً ومُعْتَقَداً وَمُسْتَقَرّاً وجَزَاءً ، { وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } يُريدُ : أرْضَ الجَنَّةِ ، و { نَتَبَوَّأُ } معناه : نتخذ أَمْكِنَةٌ ومَسَاكِنَ ، ثم وَصَفَ تعالَىٰ حَالَةَ الملائِكَةِ مِنَ العَرْشِ وَحُفُوفَهُمْ به والحفُوفُ الإحْدَاقُ بالشَّيْءِ ، وهذه اللفظة مأخوذةٌ من الحِفَافِ ، وهو الجانبُ ، قال ابن المبارِك في « رقائقه » : أخبرنا مَعْمَرٌ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرَةَ عن علي ؛ أنه تلا هذه الآية : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا } قال : وَجَدُوا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ شَجَرَةً يخرجُ مِنْ ساقها عَيْنَانِ ، فَعَمَدُوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها ، فاغْتَسَلُوا بها ، فَلَمْ تَشْعَثْ رُؤُوسُهم بَعْدَها أبداً ، ولم تَتَغَيَّرْ جُلُودُهُمْ بَعْدَهَا أبداً كأنما دُهِنُوا بِالدُّهْنِ ، ثم عمدوا إلى الأخرَىٰ ، فَشَرِبُوا مِنْهَا ، فَطَهُرَتْ أجوافُهم ، وغَسَلَتْ كُلَّ قَذِرٍ فيها ، وَتَتَلَقَّاهُمْ عَلَىٰ كلِّ بَابٍ مِنْ أبوابِ الجَنَّةِ ملائكةٌ : { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ } ، ثم تتلقَّاهم الوِلْدَانُ يُطِيفُونَ بهم كما يُطِيفُ وِلْدَانُ الدُّنْيا بالحَمِيمِ ، يجيءُ من الغَيْبَةِ يقولونَ : أَبْشِرْ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا وَكَذَا ، وأَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا ، ثم يَذْهَبُ الغُلاَمُ مِنْهُمْ إلى الزَّوْجَةِ مِنْ أزْوَاجِهِ ، فيقولُ : قَدْ جَاءَ فُلاَنٌ بِٱسْمِهِ الَّذِي كَانَ يَدَّعِي به في الدنيا ، فَتَقُولُ لَهُ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَيَسْتَخِفُّها الفَرَحُ حَتَّىٰ تَقُومَ عَلَىٰ أُسْكُفَّةِ بَابِها ، ثم ترجِعُ ، فيجيءُ ، فَيَنْظُرُ إلَىٰ تَأْسِيسِ بنيانِهِ من جَنْدَلِ اللؤلؤ أخضَرَ وأصْفَر وأحْمَر ؛ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ثم يجلسُ فينظُرُ ؛ فإذا زَرَابِيُّ مبثُوثَةٌ ، وأكوابٌ موضوعَةٌ ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ـــ فَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ ذَلِكَ ، لأَذْهَبَ بَصَرَهُ ـــ إنَّما هُوَ مِثْلُ البَرْقِ ؛ ثم يقول : الحمدُ لِلَّهِ الذِي هَدَانَا لِهذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ، انتهى . وقوله تعالى : { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } قَالَتْ فرقَةٌ معناه : أَنَّ تَسْبِيحَهُمْ يَتَأَتَّىٰ بِحَمْدِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ ، وقالَتْ فرقةٌ : تسبيحُهُمْ هُوَ بتردِيدِ حَمْدِ اللَّهِ ، وتَكْرَارِهِ ، قال الثعلبيُّ : مُتَلَذِّذِينَ لاَ مُتَعَبِّدِينَ مُكَلَّفِينَ . وقوله تعالى : { وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خَتْمٌ للأمرِ ، وقولٌ جَزْمٌ عِنْدَ فصلِ القَضَاءِ ، أي : أن هذا المَلِكَ الحَاكِمَ العادلَ ينبغي أن يُحْمَدَ عِنْدَ نفوذِ حكمه وإكمال قضائِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَمِنْ هٰذِهِ الآيةِ جُعِلَتْ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خَاتمةَ المجالِسِ والمُجْتَمَعَاتِ في الْعِلْمِ ، قال قَتَادَةُ : فَتَحَ اللَّهُ أَوَّلَ الخَلَقِ بالحمدِ ، فقال : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [ الأنعام : 1 ] وخَتَمَ القيامَةَ بالحَمْدِ في هذه الآية . قال * ع * : وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ربِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فَاتِحَةَ كتابهِ ؛ فَبِه يُبْدَأ كلُّ أمْرٍ وَبِه يُخْتَمُ ، وحَمْدُ اللَّهِ تعالَىٰ وتقديسُهُ ينبغي أن يكونَ مِن المؤمنِ ؛ كما قيل : [ الطويل ]