Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 131-133)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } : تنبيهٌ علَىٰ موضع الرجاءِ لهذَيْن المفترقَيْن ، ثم جاء بعد ذلك قوله : { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ؛ تنبيهاً على ٱستغنائِهِ عن العباد ، ومقدِّمةً للخبر بكونه غنيًّا حميداً ، ثم جاء بعد ذلك قوله : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } مقدِّمة للوعيد ، فهذه وجوهُ تَكْرَارِ هذا الخبرِ الواحدِ ثلاثَ مرَّاتٍ متقاربةٍ . * ت * : وفي تمشيته هذه عندي نَظَرٌ ، والأحْسَنُ بقاءُ الكلامِ علَىٰ نَسَقِهِ فقوله ( رحمه اللَّه ) : « تَنْبِيه عَلَىٰ مَوْضِعِ الرَّجَاءِ لهذين المفترقَيْن » ـــ حَسَنٌ ، وإنما الذي فيه قَلَقٌ ما بعده من توجيهه . وقوله تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ … } الآية : لفظٌ عامٌّ لكل مَنْ أوتيَ كتاباً ، فإنَّ وصيَّته سبحانه لعباده لم تَزَلْ منذُ أوجَدَهُمْ . * ت * : قال الأستاذ أبو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ في « سِرَاجِ المُلُوكِ » : ولما ضَرَبَ ابْنُ مُلْجِمٍ عليًّا ( رضي اللَّه عنه ) ، أُدْخِلَ منزلَهُ ، فٱعترتْهُ غشيةٌ ، ثم أفاقَ ، فَدَعَا أولادَهُ ؛ الحَسَنَ ، والحُسَيْنَ ، ومحمَّداً ، فقال : أوصيكُمْ بتقْوَى اللَّهِ فِي الغَيْبِ والشهادةِ ، وكلمةِ الحقِّ في الرضَا والغَضَب ، والقَصْدِ في الغنَىٰ والفَقْر ، والعَدْلِ عَلَى الصديقِ والعَدُوِّ ، والعملِ في النشاطِ والكَسَل ، والرضا عن اللَّه في الشدَّة والرخَاءِ ؛ يا بَنِيَّ ، ما شَرٌّ بعْدَهُ الجَنَّةُ بِشَرٍّ ، وَلاَ خَيْرٌ بَعْدَهُ النَّارُ بِخَيْرٍ ، وكلُّ نَعِيمٍ دُونَ الجَنَّةِ حَقِيرٌ ، وَكُلُّ بَلاَءٍ دُونَ النَّارِ عافيةٌ ، مَنْ أَبْصَرَ عَيْبَ نفسِهِ شُغِلَ عَنْ عَيْبِ غيره ، ومَنْ رَضِيَ بقَسْم اللَّهِ لم يَحْزَنْ علَىٰ ما فاته ، ومَنْ سَلَّ سيْفَ بَغْيٍ قُتِلَ به ، ومَنْ حَفَر لأخيهِ بِئْراً وقَعَ فيها ، ومَنْ هَتَكَ حجابَ أخِيهِ ، كَشَفَ اللَّهُ عوراتِ بَنِيهِ ، ومَنْ نَسِيَ خطيئته ، ٱستعظَمَ خَطِيئَةَ غَيْره ، ومَنِ استغنَىٰ بعقله زَلَّ ، وَمَنْ تكبَّر على الناس ذَلَّ ، ومَنْ أُعْجِبَ برأْيه ضَلَّ . ومَنْ جالَسَ العلماء وُقِّرَ ، ومَنْ خَالَطَ الأَنْذَالَ ٱحْتُقِرَ ، ومَنْ دَخَل مَدَاخلَ السُّوء ٱتُّهِمَ ، ومَنْ مَزَحَ ٱسْتُخِفَّ بِهِ ، ومَنْ أكْثَرَ مِنْ شيءٍ عُرِفَ به ، ومَنْ كثُر كلامه كَثُرَ خَطَؤُهُ ، ومن كثر خَطَؤُهُ قل حياؤه ، ومن قَلَّ حياؤه قَلَّ ورعُهُ ، ومَنْ قَلَّ وَرَعُهُ ماتَ قلبه ، ومَنْ مات قلبه دخَلَ النار ، يَا بَنِيَّ ، الأدَبُ خَيْرُ ميراثٍ ، وحُسْنُ الخُلُقِ خَيْرُ قَرِينٍ ، يا بَنِيَّ ، العافيةُ عَشَرَةُ أجزاءٍ : تسْعَةٌ منها في الصَّمْتِ إلاَّ عَنْ ذكر اللَّهِ ، وواحدٌ في ترك مُجَالَسَةِ السُّفَهاء ، يَا بَنِيَّ ، زِينَةُ الفَقْر الصَّبْرُ ، وزِينَةُ الغِنَى الشُّكْرُ ، يا بَنِيَّ ، لا شَرَفَ أعَزُّ من الإسلام ، وَلاَ كَرَمَ أعَزُّ من التقوَىٰ ، يا بَنِيَّ ، الحِرْصُ مفتاحُ البَغْيِ ، ومطيَّةُ النَّصَبِ ، طُوبَىٰ لمن أخْلَصَ للَّه عَمَلَهُ وعِلْمَهُ ، وحُبَّهُ وَبُغْضَهُ ، وأَخْذَهُ وتَرْكَهُ ، وكَلاَمَهُ وَصَمْتَهُ ، وقَوْلَهُ وفِعْلَهُ . انتهى . والوكيلُ : القائمُ بالأمورِ ، المُنَفِّذُ فيها ما رآه ، وقوله : { أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } : مخاطبةٌ للحاضرين مِنَ العَرَب ، وتوقيفٌ للسامعين ؛ لتَحْضُرَ أذهانهم ، وقوله : { بِآخَرِينَ } يريدُ مِنْ نوعكم ، وتحتملُ الآيةُ أنْ تكُونَ وعيداً لجميعِ بَنِي آدم ، ويكون الآخرونَ مِنْ غيرِ نَوْعِهِمْ ؛ كالملائكَةِ ، وقولُ الطبريِّ : « هذا الوعيدُ والتوبيخُ للشافِعِينَ والمُخَاصِمِينَ في قصَّة بَنِي أُبَيْرِقٍ » ـــ بعيدٌ ، واللفظ إنما يَظْهَرُ حُسْنُ رَصْفِهِ بعمومه وٱنسحابِهِ على العَالَمِ جملةٌ ، أو العَالَمِ الحَاضِرِ .