Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 141-143)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ … } الآية : هذه صفةُ المنافقينَ ، و { يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } : معناه : ينتظِرُونَ دَوْرَ الدوائرِ عليكم ، فإن كان فَتْحٌ للمؤْمِنِينَ ، ٱدَّعَوْا فيه النصيبَ بحُكْمِ ما يظهرونه من الإيمان ، وإن كان للكافِرِينَ نَيْلٌ من المؤمنين ، ٱدَّعَوْا فيه النَّصِيبَ بحُكْمِ ما يبطنونه من موالاةِ الكُفَّار ، وهذا حالُ المنافقينَ ، و { نَسْتَحْوِذْ } : معناه : نَغْلِبُ علَىٰ أمرِكِم ونَحُوطُكُمْ ؛ ومنه : { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } [ المجادلة : 19 ] ، معناه : غَلَبَ على أمرهم ، ثم سَلَّىٰ سبحانه المؤمنينَ ، وأنَّسهم بما وَعَدَهُم به في قوله : { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، أيْ : وبينهم ، وينصفُكُم من جميعهم ، وبقوله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } ، أيْ : يوم القيامة ؛ قاله عليٌّ ( رضي اللَّه عنه ) ؛ وعليه جميعُ أهْل التَّأوِيلِ ، والسَّبيلُ ( هنا ) : الحُجَّة والغَلَبَةُ . قلت : إِلاَّ ابنَ العَرَبِيِّ لم يرتَض هذا التأويلَ ، قال : وإنما معنى الآية أحَدُ ثلاثةِ وُجُوهٍ : الأول : لن يجعل اللَّه للكافِرِينَ عَلَى المؤمنينَ سَبيلاً يَمْحُو به دَوْلَةَ المؤمنين ، ويستبيحُ بَيْضَتَهُمْ . الثاني : لَنْ يجعل اللَّه للكافِرِينَ عَلَى المُؤْمنين سبيلاً إلاَّ أنْ يتواصَوْا بالباطِلِ ، ولا يَتَنَاهَوْا عن المُنْكَر ، ويتباعدوا عن التَّوْبَةِ ، فيكونُ تسليطُ العَدُوِّ مِنْ قِبَلِهِمْ ، وهذا نَفِيسٌ جِدًّا . الثالث : لن يجعلَ اللَّه للكافرينَ عَلَى المؤمنينَ سبيلاً بالشَّرْع ، فإن وُجِدَ ذلك ، فبخلاف الشرْعِ ، ونَزَعَ بهذا علماؤُنا ؛ بالاحْتجاجِ علَىٰ أنَّ الكافر لا يَمْلِكُ العَبْدَ المُسْلِمَ . انتهى . ومخادعَةُ المنافقين : هي لأولياءِ اللَّهِ ، ففِي الكلامِ حَذْفُ مضَافٍ ؛ إذْ لا يقصد أحَدٌ من البشر مخادَعَةَ اللَّهِ سبحانه . وقوله تعالى : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } : عبارةٌ عن عقوبَتِهِمْ ، سمَّاها بٱسْمِ الذَّنْب ، وقال ابنُ جْرَيْج ، والحَسَن ، والسُّدِّيُّ ، وغيرهم من المفسِّرين : إنَّ هذا الخَدْعَ هو أنَّ اللَّه تعالى يُعْطِي لهذه الأُمَّة يوم القيامةِ نُوراً لكلِّ إنسانٍ مؤمن ، أو منافقٍ ، فيفرح المنافِقُونَ ، ويظُنُّون ؛ أنهم قد نَجَوْا ، فإذا جاءوا إلى الصِّراطِ ، طُفِىءَ نورُ كلِّ منافقٍ ، ونهَضَ المؤمنُونَ ، فَذَلكَ قولُ المنافِقِينَ : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] ، فذلك هو الخَدْع الذي يَجْرِي عَلَى المنافِقِينَ ، ثم ذكر سبحانه كَسَلَهُمْ في الصلاةِ ، وتلْكَ حالُ كُلِّ مَنْ يعمل كارهاً غيْرَ معتقِدٍ فيه الصَّواب ، بل تقيَّةً أو مصانَعَةً . قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » : قوله تعالى : { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، روى الأئمَّة مالكٌ وغيره ، عن أنسٍ ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " تِلْكَ صَلاَةُ المُنَافِقِينَ ، تِلْكَ صَلاَةُ المُنَافِقِينَ ، تِلْكَ صَلاَةُ المُنَافِقِينَ ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّىٰ إذَا ٱصْفَرَّتِ الشَّمْسُ ، وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ ، قَامَ يَنْقُرُ أَرْبَعاً لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلاَّ قَلِيلاً " قال ابن العربيِّ : وقد بيَّن تعالَىٰ صلاةَ المؤمنين بقوله : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } [ المؤمنون : 1 ، 2 ] ومن خَشَعَ خَضَعَ ، وٱسْتَمَرَّ ، ولم ينقُرْ صلاتَهُ ، ولم يستعْجِلْ . انتهى . و { مُّذَبْذَبِينَ } : معناه : مُضْطَرِبِينَ لا يَثْبُتُونَ علَىٰ حالٍ ، والتَّذَبْذُب : الاِضطرابُ ، فهؤلاءِ المنافقُونَ متردِّدون بَيْنَ الكفَّار والمؤمنين ، لا إلَىٰ هؤلاء ولا إلى هؤلاء ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ المُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ العَائِرةِ بَيْنَ الغَنَمَيْنِ " ، والإشارةُ بذلك إلَىٰ حالَتَيِ الكفرِ والإيمان .