Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 155-157)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { فَبِمَا نَقْضِهِم } : « ما » زائدةٌ مؤكِّدة ، التقدير : فبنقضهم ، فالآيةُ مخْبِرةٌ عن أشياء واقَعُوها هي ضِدُّ ما أُمِرُوا به ، وحذْفُ جوابِ هذا الكلامِ بليغٌ مُبْهَمٌ متروكٌ مع ذِهْن السامع ، تقديره : لَعَنَّاهُمْ ونحوه ، ثم قال سبحانه : { وَبِكُفْرِهِمْ } : أيْ : بعيسَىٰ ، و { قَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَـٰناً } ، هو رمْيُهم إياها بالزِّنَا بعد رُؤْيتهم الآية في كلامِ عيسَىٰ في المهد ؛ و { قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ … } الآية : هذه الآيةُ والَّتِي قبلها عدَّدَ اللَّه تعالَىٰ فيهما أقوالَ بَنِي إسرائيل ، وأفعالَهُمْ ؛ على اختلافِ الأزمان ، وتعاقُبِ القرون ؛ فٱجتمع مِنْ ذلك توبيخُ خَلَفِهِمُ المعاصِرِينَ لنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فهذه الطائفةُ التي قالَتْ : إنا قَتَلْنَا المسيحَ غَيْرُ الذين نقضوا الميثاقَ في الطُّور ، وغَيْرُ الذين اتَّخَذُوا العجْلَ ، وقولُ بني إسرائيل إنَّمَا هُوَ إلى قوله : { عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } . وقوله تعالى : { رَسُولَ ٱللَّهِ } ، إنما هو إخبارٌ من اللَّه تعالَىٰ بصفةٍ لعِيسَىٰ ، وهي الرسالةُ ، علَىٰ جهة إظهار ذَنْب هؤلاء المُقِرِّين بالقَتْل ، ولزمهم الذنْبُ ، وهم لم يقتلوا عيسَىٰ ؛ لأنهم صَلَبُوا ذلك الشخْصَ ؛ علَىٰ أنه عيسَىٰ ، وعلَىٰ أنَّ عيسَىٰ كَذَّابٌ ليس برَسُولِ اللَّه ، فلزمهم الذنْبُ مِنْ حيث اعتقدوا أنَّ قتلهم وَقَعَ في عيسَىٰ . قال * ص * : و { عِيسَىٰ } : بدلٌ أو عطفُ بيانٍ من { ٱلْمَسِيحُ } ، و { رَسُولَ ٱللَّهِ } كذلك ، ويجوزُ أنْ يكون صفةً لـ { عِيسَىٰ } ، وأنْ يكون نصباً على إضمار أعني . قُلْتُ : وهذا الأخير أحسنها مِنْ جهة المَعْنَىٰ . انتهى . ثم أخبر سبحانه أنَّ بني إسرائيل ما قَتَلُوا عيسَىٰ ، وما صَلَبوه ، ولكنْ شُبِّه لَهُمْ ، واختلفتِ الرُّوَاةُ في هذه القصَّة ، والذي لا يُشَكُّ فيه أنَّ عيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ كان يَسِيحُ في الأَرْضِ ويدعو إلى اللَّه ، وكانَتْ بنو إسرائيل تَطْلُبُه ، ومَلِكُهُمْ في ذلك الزَّمَانِ يجعَلُ عليه الجَعَائِلَ ، وكان عيسَىٰ قد ٱنضوَىٰ إليه الحواريُّون يَسِيرُونَ معه ؛ حيثُ سار ، فلَمَّا كان في بعض الأوقات ، شُعِرَ بأمْر عيسَىٰ ، فَرُوِيَ أنَّ رجلاً من اليهود جُعِلَ له جُعْلٌ ، فما زال يَنْقُرُ عنه ؛ حتى دلَّ علَىٰ مكانه ، فلما أحَسَّ عيسَىٰ وأصحابُهُ بتلاحُقِ الطَّالبين بهم ، دخلوا بَيْتاً بمرأى مِنْ بني إسرائيل ، فرُوِيَ أنهم عَدُّوهم ثلاثةَ عَشَرَ ، ورُوِيَ : ثمانيةَ عَشَرَ ، وحُصِرُوا لَيْلاً ، فرُوِيَ أنَّ عيسَىٰ فرق الحواريِّين عن نَفْسه تلك الليلةَ ، ووجَّههم إلى الآفاقِ ، وبقي هُوَ ورجُلٌ معه ، فَرُفِعَ عيسَىٰ ، وأُلْقِيَ شَبْهُهُ على الرجُلِ ، فَصُلِبَ ذلك الرجُلُ ، ورُوِيَ أنَّ الشَّبَهَ أُلْقِيَ على اليهوديِّ الذي دَلَّ عليه ، فَصُلِبَ ، وروي أنَّ عيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ لما أُحِيطَ بهم ، قال لأصْحَابِهِ : أَيُّكُمْ يُلْقَىٰ عَلَيْه شَبَهِي ، فَيُقْتَلُ ، ويُخَلِّصُ هؤلاءِ ، وهو رَفِيقي في الجَنَّةِ ، فقَالَ سِرْجِسُ : أَنَا ، فألقي عليه شبه عيسَىٰ ، وروي أنَّ شَبَهَ عيسَىٰ أُلْقِيَ علَى الجَمَاعَةِ كلِّها ، فلما أخرجهم بَنُو إسرائيل ، نقصوا واحداً مِنَ العِدَّة ، فأخذوا واحداً مِمَّنْ عليه الشَّبَهُ حَسَب هذه الرواياتِ التي ذكَرْناها ، فَصَلَبُوه ، ورُوِيَ أنَّ المَلِكَ والمتناوِلِينَ لَمْ يَخْفَ عليهم أَمْرُ رَفْعِ عِيسَىٰ ، لِمَا رأَوْه مِنْ نقصانِ العدَّة ، وٱختلاطِ الأمْرِ . وقوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ … } الآية : يعني اختلافَ المحاولين لأخْذه ؛ لأنهم حين فقدوا واحداً من العدد ، وتُحُدِّثَ برَفْع عيسَى ، ٱضطربوا ، واختلفوا ، لكنْ أجمعوا علَىٰ صَلْبِ واحدٍ مِنْ غير ثقَةٍ ، ولا يقينٍ ، أنه هو . وقولُه تعالى : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } ، قال ابن عَبَّاس وجماعةٌ : المعنَىٰ : وما صَحَّ ظنُّهم عندهم ، ولا تحقَّقوه يقيناً ، فالضميرُ في « قتلوه » عندهم عائدٌ على الظَّنِّ ؛ كما تقُولُ : ما قَتَلْتُ هذا الأمْرِ عَلْماً ، قلْتُ : وعبارةُ السُّدِّيِّ : « وما قَتَلُوا أمره يقيناً أنَّ الرجُلَ هو عيسَى » . انتهى من « مختصر الطَّبَرِيِّ » ، وقال قومٌ : الضميرُ عائدٌ علَىٰ عيسَىٰ ، أخبر سبحانه أنهم ما قَتَلُوهُ في الحقيقةِ جملةً واحدةً ، لا يقيناً ولا شكًّا ، لكنْ لما حصَلَتْ في ذلك الدعوَىٰ ، صَارَ قتله عنْدَهم مشْكُوكاً فيه ، وقال قوم مِنْ أهل اللسانِ : الكلامُ تامٌّ في قوله : { وَمَا قَتَلُوهُ } ، و { يَقِيناً } : مصدرٌ مؤكِّد للنفْي في قوله : { وَمَا قَتَلُوهُ } ، المعنى : نخبرُكُمْ يقيناً ، أو نقصُّ عليكم يقيناً ، أو أَيْقَنُوا بذلك يَقيناً . وقال * ص * : بعد كلام : والظاهرُ أنَّ الضمير في { قَتَلُوهُ } عائدٌ إلَىٰ عيسَىٰ لِتَتَّحِدَ الضمائرُ ، و { يَقِيناً } : منصوبٌ في موضعِ الحالِ من فَاعِلِ { قَتَلُوهُ } : أي : مستيقنين أنه عيسَىٰ ، أو نعت لمصدرٍ محذوفٍ ، أي : قتلاً يقيناً . انتهى .