Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 24-25)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ } عطْفاً على المُحَرَّمَاتِ ، قيل : والتحصُّن التمنُّع ، ومنه الحِصْن ، وحصنت المرأة : ٱمتنعَتْ بوجه مِنْ وُجُوه الاِمتناعِ ، وأَحْصَنَتْ نَفْسَهَا ، وأَحْصَنَهَا غيْرُها ، والإحْصَانُ تستعمله العَرَبُ في أربعةِ أشياءَ ، وعلَىٰ ذلك تصرَّفَتِ اللفظة في كتاب اللَّهِ عزَّ وجلَّ : فتستعملُهُ في الزَّوَاجِ ؛ لأنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ منعة وحفظ ، وتستعمله في الحرِّيَّة ؛ لأنَّ الإماء كان عُرْفُهُنَّ في الجاهليَّة الزِّنَا ، والحُرَّةُ بخلافِ ذلك ؛ ألا تَرَىٰ إلَىٰ قول هندٍ : « وهَلْ تَزْنِي الحُرَّةُ » ، وتستعمله في الإسلام ؛ لأنه حافظٌ ، وتستعمله في العِفَّة ؛ لأنها إذا ٱرتبطَ بها إنسانٌ ، وظهرَتْ علَىٰ شَخْصٍ مَّا ، وتخلَّق بها ، فهي مَنَعَةٌ وحفْظٌ . وحيثما وقعتِ اللفظة في القرآن ، فلا تجدُها تخرُجُ عن هذه المعانِي ، لكنَّها قد تَقْوَىٰ فيها بعضُ هذه المعانِي دُونَ بَعْض ؛ كما سيأتي بيانُهُ في أماكنه ( إن شاء اللَّه ) . فقوله سبحانه في هذه الآية : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ } قال فيه ابنُ عَبَّاس وغيره : هنَّ ذواتُ الأزواجِ ، محرَّماتٌ إلاَّ ما ملكَتِ اليمينُ بِالسَّبْيِ ، ورُوِيَ عن ابنِ شِهَابٍ ؛ أنه سُئِلَ عن هذه الآية : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاءِ } ، فقال : نُرَىٰ أنه حَرَّم في هذه الآية ذَوَاتِ الأزواجِ ، والعَفَائِفَ مِنْ حَرَائِرَ ومملوكاتٍ ، ولم يحلَّ شيءٌ من ذلك إلاَّ بنكاحٍ ، أو شراءٍ ، أو تملُّك ، وهذا قولٌ حَسَنٌ عَمَّم لفظَ الإحصانِ ، ولَفْظَ ملكِ اليمين ، وذلك راجعٌ إلى أنَّ اللَّه حَرَّم الزنا ، قال عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وغيره : قوله سبحانه : { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } : إشارةٌ إلَىٰ ما ثبت من القرآن من قوله سبحانه : { مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } [ النساء : 3 ] ؛ وفي هذا بُعْدٌ ، والأظْهَرُ أنَّ قوله : { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجِزِ بَيْنَ الناسِ ، وبَيْنَ ما كانَتِ الجاهليةُ تفعله . قال الفَخْر : و { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } : مصْدَرٌ من غير لفظ الفَعْلِ ، قال الزَّجَّاج : ويجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصُوباً علَىٰ جهة الأَمْرِ ، ويكون { عَلَيْكُمْ } خبراً له ، فيكون المعنَى : ٱلْزَمُوا كتابَ اللَّهِ . انتهى . وفي « التمهيد » لأبي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ البَرِّ : { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } : أي : حكمه فيكُمْ وقضاؤُه عليكم . انتهى . وقوله سبحانه : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } ، قال عطاء وغيره : المعنَىٰ : وأُحِلَّ لكم ما وراء مَنْ حُرِّم ، قلْتُ : أي : علَىٰ ما عُلِمَ تفصيله مِنَ الشريعة . قال * ع * : و { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ } : لفظٌ يجمع التزوُّجَ والشراءَ ، و { مُّحْصِنِينَ } : معناه : متعفِّفين ، أي : تُحْصِنُونَ أنفسكم بذلك ، { غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } ، أي : غَيْرَ زُنَاةٍ ، والسِّفَاحُ : الزنا . وقوله سبحانه : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَـئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، قال ابن عَبَّاس وغيره : المعنَىٰ : فإذا استمتعتم بالزوْجَة ، ووَقَعَ الوطْء ، ولو مرَّةً ، فقد وجَب إعطاء الأجْرِ ، وهو المهر كلُّه ، وقال ابنُ عَبَّاس أيضاً وغيره : إن الآية نزلَتْ في نكاح المُتْعة ، قال ابنُ المُسَيَّب : ثم نُسِختْ . قال * ع * : وقد كانَتِ المتعةُ في صَدْرِ الإسلامِ ، ثم نَهَىٰ عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ } ، أي : مِنْ حَطٍّ أو تأخيرٍ بعد ٱستقرارِ الفَريضَةِ ، ومَنْ قال بأنَّ الآية المتقدِّمة في المُتْعَة ، قال : الإشارةُ بهذه إلَىٰ أنَّ ما تراضَيَا علَيْه من زيادةٍ في مُدَّة المُتْعةِ ، وزيادةٍ في الأجْرِ جائزٌ . وقوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً … } الآية : قال ابنُ عَبَّاس وغيره : الطَّوْل هنا : السَّعَة في المالِ ؛ وقاله مالِكٌ في « المُدَوَّنة » ، فعلَىٰ هذا التأويلِ لا يصحُّ للحُرِّ أنْ يتزوَّج الأَمَةَ إلاَّ بٱجتماعِ شرطَيْنِ : عَدَمِ السَّعَةِ في المالِ ، وخَوْفِ العَنَتِ ، وهذا هو نصُّ مالك في « المدوَّنة » . قال مالك في « المُدَوَّنة » : « ولَيْسَتِ الحُرَّة تحته بِطَوْل ، إنْ خَشِيَ العَنَتَ » ، وقال في « كتاب محمَّد » ما يقتضِي أنَّ الحُرَّة بمثابة الطَّوْل . قال الشيخُ أبو الحَسَن اللَّخْمِيُّ : وهو ظاهرُ القرآن ، ونحوه عنِ ابْنِ حَبيبٍ . وقال أبو حنيفة : وجودُ الحُرَّة تحته لا يَجُوزُ معه نكاحُ الأَمَةِ ؛ وقاله الطَّبَرِيُّ ، وتقولُ : طَالَ الرَّجُلُ طَوْلاً ( بفتح الطاء ) ؛ إذا تفضَّل ، ووَجَدَ ، وٱتَّسَعَ ، وطُولاً ( بضمها ) : في ضِدِّ القِصَر ، و { ٱلْمُحْصَنَـٰتُ } في هذا الموضع : الحرائرُ ـــ والفتاةُ ، وإن كَانَتْ في اللغة واقعةً على الشَّابَّة ، أَيَّةً كانَتْ ، فعرفُها في الإماء ، وفَتًى كذلك ، و { ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ } ؛ في هذا الموضع : صفةٌ مشترطةٌ عند مالك ، وجمهور أصحابه ، فلا يجوزُ نكاحُ أمةٍ كافرةٍ عندهم ؛ قُلْتُ : والعلَّة في مَنْعِ نكاحِ الأَمَةِ ما يؤولُ إلَيه الحالُ من ٱسترقاقِ الولد . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ } ، ومعناه : واللَّهُ أعلمُ ببَوَاطِنِ الأمور ، ولكم ظواهرُها ، فإذا كانَتِ الفتاةُ ظاهِرُها الإيمانُ ، فنكاحها صحيحٌ ، وفي اللفظ أيضاً : تنبيهٌ علَىٰ أنهُ ربَّما كان إيمانُ أَمَةٍ أَفْضَلَ مِنْ إيمانِ بعضِ الحرائرِ ، فلا تَعْجَبُوا بمعْنَى الحُرِّيَّة ، والمَقْصِدُ بهذا الكلامِ أنَّ الناس سواءٌ ، بَنُو الحرائرِ ، وبَنُو الإمَاءِ ، أكرمهم عنْدَ اللَّهِ أتقاهُمْ ، وفي هذا توطئَةٌ لنفوسِ العَرَبِ التي كانَتْ تَسْتَهْجِنُ ولَدَ الأَمَةِ . وقوله تعالى : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ، معناه : بولايةِ أربابِهِنَّ المالكين ، { وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، أي : مُهُورَهُنَّ ، { بِٱلْمَعْرُوفِ } : معناه : بالشَّرْع والسُّنَّة ، و { مُحْصَنَـٰتٍ } : الظاهرُ أنه بمعْنَىٰ عفيفاتٍ . قال * ص * : مُحْصَنَاتٍ : منصوبٌ على الحَالِ ، والظَّاهِرُ أنَّ العَامِلَ وآتُوهُنَّ ، ويجوزُ أَنْ يَكُونَ العامِلُ : فٱنْكِحُوهُنَّ مُحْصَنَاتٍ ، أي : عفائفَ . انتهى . والمسافِحَاتُ : الزوانِي المتبذِّلاتُ اللَّوَاتِي هُنَّ سُوقٌ للزِّنا ، ومتَّخِذَاتُ الأخدانِ هنَّ المُسْتَتِرَاتُ اللواتِي يصحبن واحداً واحداً ، ويَزْنينَ خفيةً ، وهذان كانا نَوْعَيْن في زنا الجاهليَّة ؛ قاله ابنُ عبَّاس وغيره . وقوله تعالى : { فَإِذَا أُحْصِنَّ … } الآية ، أي : تزوَّجْن ، قال الزُّهْرِيُّ وغيره : فالمتزوِّجة محدودةٌ بالقرآن ، والمُسْلِمَةُ غير المتزوِّجة محدودةٌ بالحديث ، وفي مسلمٍ والبخاريُّ ، « أنه قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الأَمَةُ إذَا زَنَتْ ، ولَمْ تُحْصَنْ » ؟ فأوْجَبَ علَيْها الحدَّ » والفاحشة ، هنا الزِّنا . قال * ص * : وجوابُ : « إذَا » : « فإنْ أتَيْنَ » ، وجوابه . انتهى . و { ٱلْمُحْصَنَـٰتُ } في هذه الآية : الحَرَائِرُ ؛ إذ هي الصفَةُ المَشْرُوطة في الحدِّ الكامِلِ ، والرَّجْمُ لا يتنصَّف ، فلم يُرَدْ في الآية بإجماع ، والعَنَتُ في اللغة : المَشَقَّة . قال ابنُ عباسٍ وغيره : والمَقْصِدُ به هنا الزنا . وقوله تعالى : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني : عَنْ نكاحِ الإماء ؛ قاله ابنُ عَبَّاس وغيره : وهذا نَدْبٌ إلى التَّرْك ؛ وعِلَّتُهُ مَا يؤَدِّي إلَيْه نكاحُ الإِماءِ مِن ٱسترقاقِ الوَلَدِ ومِهْنَتِهنَّ .