Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-90)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ … } الآية : واختلف في هؤُلاَءِ المنافِقِينَ . فقال ابنُ عَبَّاس : هم قومٌ كانوا بمَكَّة أظهروا الإيمانَ لأصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كُتُبٍ بَعَثُوا بِهَا إلى المدينةِ ، ثم خَرَجُوا مسافِرِينَ إلى الشَّام ، وأعطَتْهم قريشٌ بِضَاعَاتٍ ، وقالوا لهم : أنتم لا تَخَافُونَ أصْحَاب محمَّد ؛ لأَنَّكُمْ تخدَعُونَهم بإِظْهَار الإِيمانِ ، فٱتَّصَلَ خبرُهُمْ بالمدينَةِ ، فاختلف المؤمنُونَ فيهم ، فقالَتْ فرقةٌ : نَخْرُجُ إلَيْهم ؛ فإنهم منافقونَ ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ ، لاَ سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِمْ ، فنزلَتِ الآية ، وعن مجاهدٍ نحوه . قال * ع * : ويَعْضُدُهُ ما في آخر الآيةِ مِنْ قوله تعالَىٰ : { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } ، وقال زيدُ بنُ ثابتٍ : نزلَتْ في عبد اللَّه بْنِ أُبيٍّ وأصحابِهِ المنافِقِينَ الذين رجَعُوا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ ، وهو في « صحيحِ البخاريِّ » مسنداً ، قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » ، وهذا القولُ هو ٱختيارُ البخاريِّ والترمذيِّ . انتهى . قال * ع * : وعلَىٰ هذا ، فقولُه سبحانَهُ : { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } المرادُ هَجْرُ ما نَهَى اللَّهُ عنه ؛ كما قال ـــ عليه السلام ـــ : " والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عَنْه " ، و { فِئَتَيْنِ } : معناه : فرقَتَيْنِ ، و { أَرْكَسَهُمْ } : معناه : أرجعَهُمْ في كُفْرِهِمْ وضَلاَلِهِمْ ، والرِّكْس : الرَّجيع ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الرَّوْثَةِ : " إنَّهَا رِكْسٌ " ، وحكى النضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ والكِسَائِيُّ : رَكَسَ وأَرْكَسَ بمعنًى واحدٍ ، أي : أرجَعَهم ، ومَنْ قال مِنَ المتأوِّلين : أَهْلَكَهم ، أو أضلَّهم ، فإنَّما هو بالمعنىٰ ، وباقي الآية بَيِّنٌ . قال * ص * : { أَرْكَسَهُمْ } ، أي : رَدَّهم في الكُفْر . وقال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » : أَخْبَرَ اللَّه تعالَىٰ أنه رَدَّ المنافِقِينَ إلى الكُفْر ، وهو الإركَاسُ ، وهو عبارةٌ عن الرجُوعِ إلى الحالَةِ المكروهَةِ ؛ كما قال في الرَّوْثَةِ : « إنَّهَا رِكْسٌ » ، أيْ : رجَعَتْ إلى حالةٍ مكروهةٍ ، فنَهَى اللَّه سبحانَهُ الصحابَةَ أنْ يتعلَّقوا فيهم بظَاهِرِ الإِيمان ؛ إذ كان باطنهم الكُفْرَ ، وأمرهم بقَتْلهم ، حَيْثُ وجَدُوهُم . انتهىٰ . وقولُهُ تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ … } الآية . قال * ص * : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } : استثناءٌ متَّصِلٌ من مَفْعولِ { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ } . انتهى . قال * ع * : هذه الآيةُ مِنْ آياتِ المُوَادَعَةِ في أول الإسلام ، ثم نُسِخَتْ بما في سورة « بَرَاءَةَ » فالآيةُ تقتضي أنَّ مَنْ وصَلَ من المشركِينَ الذين لاَ عَهْدَ بينهم ، وبَيْن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَىٰ هؤلاءِ أهْلِ العهدِ ، فدخَلَ في عِدَادِهِمْ ، وفَعَلَ فِعْلَهم من المُوَادَعَةِ ، فلا سَبِيلَ عليه . وقوله تعالى : { أَوْ جَاءوكُمْ } : عطْفٌ على { يَصِلُونَ } ، ويحتملُ أنْ يكون علَىٰ قوله : { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } ، والمعنَىٰ في العَطْفَينِ مختلفٌ ، وهذا أيضاً حُكْمٌ قبل أنْ يستحكم أمْرُ الإسلام ، فكان المشرك ، إذا ٱعتزلَ القتَالَ ، وجاء إلَىٰ دارِ الإِسلامِ مُسَالماً كارهاً لقتالِ قَوْمِهِ مع المسلِمِينَ ، ولقِتَالِ المُسْلمين مع قومه ، لا سَبِيلَ عليه ، وهذه نُسِخَتْ أيضاً بما في « براءة » ، ومعنى { حَصِرَتْ } : ضاقَتْ ، وحَرِجَتْ ؛ ومنه : الحَصَرُ في القَوْل ، وهو ضِيقُ الكَلاَم علَى المتكلِّم ، وَ { حَصِرَتْ } : في موضعِ نصبٍ على الحال ، واللاَّمُ في قوله : { لَسَلَّطَهُمْ } جوابٌ « لو » ، والمعنَىٰ : ولو شاء اللَّه ، لَسَلَّطَ هؤلاءِ الَّذين هُمْ بهذه الصِّفَة من المُسَالَمَة والمُتَارَكَة عليكم ، { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } ، أي : إذا وقَعَ هذا ، فلَمْ يقاتِلُوكم ، فلا سَبِيلَ لكم عليهم ، وهذا كلُّه ، والذي في سورة « المُمْتَحنة » : { لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ … } [ الممتحنة : 8 ] منسوخٌ ؛ قاله قتادة وغيره . و { ٱلسَّلَـٰم } : الصُّلَحُ .