Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 85-87)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً … } الآية : قال مجاهدٌ وغيره : هي في شَفَاعَاتِ النَّاس بينهم في حوائجهم ، فَمَنْ يشفعْ لينفَع ، فلَهُ نصيبٌ ، ومَنْ يشفعْ ليضُرَّ ، فله كِفْلٌ ، والكِفْلُ : النَّصيبُ ، ويستعمل في الخَيْرِ وفي الشَّرِّ ، وفي كتاب اللَّه تعالَىٰ : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [ الحديد : 28 ] ، وروى أبو داود ، عن أبي أُمَامَةَ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " مَنْ شَفَعَ لأحَدٍ شَفَاعَةً ، فَأَهْدَىٰ لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا ، فَقَبِلَهَا ، فَقَدْ أَتَىٰ بَاباً عَظِيماً مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا " انتهى . وَ { مُّقِيتاً } : معناه : قديراً ؛ ومنه قولُ الزُّبَيْر بْنِ عبدِ المُطَّلِبِ : [ الوافر ] @ وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْه وَكُنْتُ عَلَىٰ إسَاءَتِهِ مُقِيتَا @@ أيْ : قديراً . وقيل : مُقِيتاً : معناه شهيداً ، وقيل : حفيظاً . وذهب مقاتلٌ إلى أنه الذي يَقُوتُ كلَّ حيوان ، قال الداووديُّ : قال الكلبيُّ المَقِيتُ هو المُقْدِرُ بلُغَة قُرَيْشٍ . انتهى . وقوله سبحانه : { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ … } الآية : قالتْ : فرقةٌ : معنى الآية : تخييرُ الرَّادِّ ؛ فإذا قال البادىءُ : « السَّلاَمُ عَلَيْكَ » ، فللرادِّ أنْ يقولَ : « وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ » فقطْ ، وهذا هو الرَّدُّ ، وله أنْ يقولَ : « وعَلَيْكَ السَّلاَمُ ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ » ، وهذا هو التحيَّة بأحْسَنَ ، ورُوِيَ عن ابن عُمَرَ وغيره ٱنتهاءُ السَّلام إلى البَرَكة ، وقالَتْ فرقةٌ : المعنَىٰ : إذا حُيِّيتم بتحيةٍ ، فإن نَقَص المسلِّمُ مِنَ النهاية ، فحَيُّوا بأحْسَنَ منها ، وإن ٱنتهَىٰ ، فردُّوها ، كذلك قال عطاءٌ ، والآيةُ في المؤمنين خاصَّةً ، ومَنْ سَلَّم من غيرهم ، فيقالُ لَهُ : « عَلَيْكَ » ؛ كما في الحديثِ ، وفي أبِي داوُدَ ، والترمذيِّ ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَ بالسَّلاَمِ " انتهى . وأكثرُ أهل العلْمِ علَىٰ أنَّ الابتداءَ بالسَّلاَمِ سُنَّةٌ مؤكَّدة ، وَرَدُّه فريضةٌ ؛ لأنه حقٌّ من الحقوقِ ؛ قاله الحسن وغيره ، قال النوويُّ : ورُوِّينا في كتاب ابْنِ السُّنِّيِّ ، عن أنسٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ ، فَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّىٰ تُغْفَرَ ذُنُوبُهُمَا ، مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ " ، ورُوِّينَا فيه عَنْ أَنسٍ أيضاً ، قال : « مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِيَدِ رَجُلٍ ، فَفَارَقَهُ ؛ حَتَّىٰ قَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » ؛ وَروِّينَا فيه ، عَنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ المُسْلِمَيْنَ إذَا ٱلْتَقَيَا ، فَتَصَافَحَا ، وتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا بَيْنَهُمَا " ، وفي رواية : « إذَا ٱلْتَقَى المُسْلِمَانِ ، فَتَصَافَحَا ، وَحَمِدَا اللَّهَ تَعَالَىٰ ، وَٱسْتَغْفَرَا ــــ غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا » . انتهى . و { حَسِيباً } : معناه حَفِيظاً ، وهو فَعِيلٌ من الحِسَاب . وقوله سبحانه : { ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ … } الآية : لما تقدَّم الإنذارُ والتحذيرُ الذي تضمَّنه قوله تعالَىٰ : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَيْء حَسِيباً } ، تلاه الإعلامُ بصفَةِ الربوبيَّة ، وحالِ الوحدانيَّة والإعلامِ بالحَشْرِ والبَعْثِ مِنَ القبور للثَّواب والعقابِ إعلاماً بقَسَمٍ ، تقديره : وَحَقِّهِ وَعَظَمَتِهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ، والجَمعُ بمعنى الحَشْر . وقوله سبحانه : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } : المعنى : لا أحَدَ أصْدَقُ مِنَ اللَّه تعالَىٰ .