Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 15-18)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ } ويحتملُ أنْ يريدَ بالدرجاتِ صفاتِه العُلَٰ ، وعبَّر بما يَقْرُبُ من أفهامِ السامعينَ ، ويحتمل أنْ يريدَ : رفيعُ الدرجاتِ التي يُعْطِيها للمؤمنينَ ، ويتفضَّلُ بها علَىٰ عبادِهِ المُخْلِصِينَ في جَنَّتِهِ ، و { ٱلْعَرْشِ } هو الجِسْمُ المخلوقُ الأعْظَمُ الذي السمٰواتُ السَّبْعُ والكرسيُّ والأَرَضُونَ فيه كالدنانيرِ في الفَلاَةِ من الأَرْضِ . وقوله تعالى : { يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } قال الضَّحَّاك : الرُّوحُ هنا هُو : الوَحْيُ القُرْآنُ وغيره مما لَمْ يُتْلَ وقال قَتَادَةُ والسُّدِّيُّ : الرُّوحُ : النُّبُوَّة ومكانتُها ؛ كما قال تعالى : { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وسَمَّىٰ هذا رُوحَاً ؛ لأنه تَحْيَا به الأمَم والأزمانُ كما يَحْيَا الجَسَدُ برُوحِهِ ، ويحتملُ أَن يكونَ إلقاءُ الرُّوحِ عامًّا لِكُلِّ ما يُنْعِمُ اللَّهُ بِهِ على عبادِهِ المهتَدِينَ في تفهيمه الإيمانَ والمعقولاتِ الشريفةَ ، والمُنْذِرُ بيومِ التَّلاقِ على هذا التأويلِ هو اللَّهُ تعالى ، قال الزَّجَّاج : الرُّوحُ كُلُّ ما فيهِ حَيَاةُ النَّاسِ ، وكُلُّ مُهْتَدٍ حَيٌّ ، وكلُّ ضَالٍّ كالمَيتِ . وقوله : { مِنْ أَمْرِهِ } إنْ جعلته جِنْساً للأمورِ فـ « مِنْ » للتَّبعيضِ أو لابتداءِ الغَايَةِ ، وإنْ جَعَلْتَ الأمْرَ مِنْ معنى الكلامِ فـ « مِنْ » إما لابتداءِ الغايةِ ، وإمَّا بمعنى الباءِ ، ولا تكونُ للتبعيضِ بَتَّةً ، وقرأ الجمهور : « لتنذر » بالتاء على مخاطبةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقرأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وجماعةٌ : « لينذر » بالياء ، و { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } معناه : تلاقِي جميعِ العالمِ بعضِهم بعضاً ، وذلك أمرٌ لَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ . وقوله : { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } معناه في بَرَازٍ من الأَرْضِ يَسْمَعُهُمُ الدَّاعِي ويَنْفُدُهُمُ البَصَرُ . وقوله تعالى : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } رُوِيَ أَنَّ اللَّه تعالَىٰ يُقَرِّرُ هٰذَا التقريرَ ، ويَسْكُتُ العَالَمُ هَيْبَةً وجَزعاً ، فيجيبُ ـــ سبحانه ـــ هو نفسُهُ بقوله : { للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } ، ثم يُعْلِمُ اللَّهُ تعالَىٰ أَهْلَ المَوْقِفِ بأنَّ اليَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نفسٍ بما كسبتْ ، وَبَاقِي الآيةِ تَكَرَّر مَعْنَاهُ ، فانْظُرْهُ في مواضِعه . ثم أمر اللَّه تعالى نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ بإنْذارِ العَالَمِ وتحذيرِهِمْ مِنْ يومِ القيامةِ وأهوالِه ، و « الآزِفَة » : القريبةُ مِنْ أَزِفَ الشيءُ إذا قَرُبَ ، و { ٱلأَزِفَةِ } في الآية : صِفَةٌ لمحذوفٍ قَدْ عُلِمَ واسْتَقَرَّ في النفوس هولُه ، والتقديرُ يَوم الساعة الآزفة ، أو الطَّامَةُ : الآزفةُ ، ونحو هذا . وقوله ـــ سبحانه ـــ : { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } معناه : عندَ الحناجِر ، أي قد صَعِدَتْ من شِدَّةِ الهولِ والجزع ، والكَاظِمُ الَّذِي يردُّ غيظَهُ وجزعَهُ في صَدْرِهِ ، فمعنى الآية : أنهم يَطْمَعُونَ في رَدِّ ما يجدونه في الحناجر ، والحال تغالبهم ، و { يُطَاعُ } في مَوْضِعِ الصفةِ لـ { شَفِيعٍ } ؛ لأن التقدير : ولا شفيعٍ مطاعٍ ، قال أبو حيان { يُطَاعُ } في مَوْضِعِ صفة لـ { شَفِيعٍ } ، فيحتملُ أنْ يكونَ في موضعِ خَفْضٍ على اللفظِ ، أو في موضِع رفعٍ على الموضِعِ ، ثم يحتملُ النَّفيُ أنْ يكونَ مُنْسَحِباً على الوصْفِ فقَطْ ، فيكونُ ثَمَّ شَفِيعٌ ، ولكنَّه لا يُطَاعُ ، ويحتملُ أن يَنْسَحِبَ على الموصوفِ وصفتهِ ، أي : لا شفيعَ فيطاعَ ، انتهى . وهذا الاحتمالُ الأخير هو الصوابُ ، قال * ع * : وهذهِ الآيةُ كُلُّها عندي اعتراضٌ في الكلام بليغٌ .