Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 19-20)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } مُتَّصِلٌ بقوله : { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ غافر : 17 ] وقالتْ فرقة : { يَعْلَمُ } متصلٌ بقوله : { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ } [ غافر : 16 ] وهذا قولٌ حسنٌ يقوِّيهِ تَنَاسُبُ المَعْنَيينِ ، ويُضَعِّفُه بُعْدُ الآيةِ من الآيةِ وكَثْرَةُ الحائِل ، والخائنةُ : مصدرٌ كالخِيَانَةِ ، ويحتمل أن تكونَ { خَائِنَةَ } اسمَ فاعِل ، أي : يعلم الأعين إذا خانتْ في نظَرِها ، قال أبو حَيَّان : والظاهرُ أن : { خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } من إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ ، أي : الأَعْيُنِ الخائنة ، كقوله : [ البسيط ] @ … وَإنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاسِ فَٱسْقِينَا @@ أي : الناسَ الكرامَ ، وجوَّزُوا أن يكونَ { خَائِنَةَ } مصدراً ، كـ « العافية » أي : يعلم خِيانَةَ الأعينِ ، انتهى ، وهذه الآيةُ عِبَارَةٌ عَن عِلم اللَّهِ ـــ تعالى ـــ بجميعِ الخفيَّاتِ ، فمِنْ ذَلِكَ كَسْرُ الجُفُونِ والغَمْزُ بالعَيْنِ ، أو النظرةُ التي تُفْهِمُ معنًى ؛ ومنه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم [ لأصحابِه في شَأْنِ رَجُلٍ ٱرْتَدَّ ثمَّ جَاء لِيُسْلِمَ : " هَلاَّ قَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْكُمْ حِينَ تَلَكَّأْتُ عَنْهُ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ ؟ فقالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ أَومَأْتَ إلَيْنَا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ] : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ " ، وفي بعضِ الكتبِ المنزَّلةِ مِنْ قَولِ اللَّه عزَّ وجلَّ : أَنَا مِرْصَادُ الْهِمَمِ أَنَا العَالِمُ بِمَجَالِ الْفِكْرِ وَكَسْرِ الجُفُونِ ، وقال مجاهدٌ : « خائنة الأعين » : مُسَارَقَةُ النظرِ إلى مَا لاَ يَجُوزُ ، ثم قَوَّى تعالى هذا الإخبارَ بقولهِ : { وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } مما لمْ يَظْهَر على عينٍ ولا غَيْرِهَا ، وأسند أبو بكر بن الخَطِيبِ عن مولى أمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو : " اللهمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ ، وَلِسَانِي مِنَ الكَذِبِ ، وعَيْنِي مِنَ الخِيَانَةِ ؛ فإنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُدُورُ " ، انتهى . قال القُشَيْرِيُّ في : « التحبير » وَمَنْ عَلِمَ اطِّلاَعَ الحقِّ ـــ تعالى عليه ـــ يكونُ مُرَاقِباً لربِّهِ ؛ وعلامتُه أنْ يكونَ مُحَاسِباً لِنَفْسِهِ ، ومَنْ لم تَصِحَّ محاسبتُهُ ، لم تصحَّ مراقبتُهُ ، وسُئِلَ بعضُهُمْ عَمَّا يَسْتَعِينُ به العبدُ على حفظِ البصر ، فقال : يَسْتَعِينُ عليه بعلمِه أنَّ نظرَ اللَّه إليه سَابِقٌ على نظرِهِ إلى مَا ينظرُ إليه ، انتهى . وقوله سبحانه : { وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقِّ } أي : يجازي الحسنةَ بعَشْرٍ والسيئةَ بمثلِها ، ويُنْصِفُ المظلومَ من الظالمِ ؛ إلى غير ذلك من أقضية الحقِّ والعدلِ ، والأصْنامُ لا تقضي بشَيْءٍ ، ولا تُنَفِّذُ أمراً ، و { يَدَّعُونَ } معناه : يَعْبُدُونَ .