Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 41-56)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَيَٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ … } الآية ، قد تقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلاَفِ ، هل هذهِ المقالاتُ لموسَىٰ أو لمؤمنِ آل فرعون ، والدعاءُ إلى النجاةِ هو الدعاءُ إلى سبَبِها ؛ وهو توحيدُ اللَّهِ تعالى وطاعتُه ، وباقي الآية بيِّنٌ . وقوله : { أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ } المعنى : وإنَّ الذي تدعونَني إليه من عبادةِ غيرِ اللَّهِ لَيْسَ له دعوة ، أي : قَدْرٌ وَحَقٌ يجب أنْ يُدْعَىٰ أحدٌ إليه ثم توعَّدَهم بأنَّهم سَيَذْكُرُونَ قولَه عند حُلُولِ العذابِ بهم ، والضميرُ في { فَوقَاهُ } يحتملُ أنْ يعودَ على موسَىٰ ، أو على مؤمنِ آل فرعون ؛ علَى ما تقدَّم من الخلاف . وقال القائلون بأنه مؤمن آل فرعون : إن ذلك المؤمنَ نجا مع مُوسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ في البَحْرِ ، وَفَرَّ في جملةِ مَنْ فَرَّ معَه مِنَ المتَّبِعينَ . وقوله تعالى في آل فرعون : { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً … } الآية ، قوله : { ٱلنَّارِ } رَفْعٌ على البَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ : { سُوۤءُ } وقيلَ رفعٌ بالابتداءِ ، وخَبَرُهُ { يُعْرَضُونَ } قالت فرقةٌ : هذا الغُدُوُّ والعَشِيُّ هو في الدنيا ، أي : في كل غُدُوٍّ وَعَشِيٍّ من أيام الدنيا يُعْرَضُ آلُ فِرْعَوْنَ على النَّارِ ، قال القرطبيُّ في « التذكرة » : وهذا هو عذابُ القَبْرِ في البَرْزَخِ ، انتهى ؛ وكذا قال الإمام الفخر ، ورُوِيَ في ذلك أنَّ أرواحَهُمْ في أجوافِ طَيْرٍ سُودٍ تَرُوحُ بِهِمْ وَتَغْدُو إلى النارِ ؛ وقالَهُ الأوزاعِيُّ ـــ عافانا اللَّه من عذابه ـــ ، وخرَّج البخاريُّ ومسلمٌ عن ابْنِ عمر ؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وإنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَمنْ أَهْلِ النَّارِ ، يقالُ لَهُ : هذا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، انتهى . وقوله [ تعالى ] { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } أي : وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُقَالُ : { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } وآل فرعون : أتْبَاعُهُ وأهْلُ دينهِ ، والضميرُ في قولهِ : { يَتَحَاجُّونَ } لجميعِ كفارِ الأُمَمِ ، وهذا ابتداءُ قصص لا يَخْتَصُّ بآل فرعونَ ، والعامِلُ في : « إذ » فَعْلٌ مضمرٌ ، تقديره : اذْكُرْ ، ثم قال جميعُ مَنْ في النارِ لخَزَنَتِهَا : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } ؛ فراجَعَتْهُمُ الخَزَنَةُ علَىٰ مَعْنَى التَّوبِيخِ والتقريرِ : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } ، فأقَرَّ الكُفَّارُ عند ذلك ، و { قَالُواْ بَلَىٰ } ، أي : قَدْ كَانَ ذلك ، فقالَ لهم الخَزَنَةُ عِنْدَ ذلك : ادعوا أنتم إذن ، وهذا على معنى الهُزْءِ بهِم . وقوله تعالى : { وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } قيل : هو من قول الخَزَنَةِ ، وقيل : هو من قول اللَّه تعالى إخباراً منه لمحمَّدٍ ـــ عليه السلام ـــ ، ثم أخبَر تعالى أنه ينصر رسلَه والمؤمنينَ في الدنيا والآخرةِ ، ونصرُ المؤمِنينَ داخلٌ في نَصْرِ الرُّسُلِ ، وأَيْضاً ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ للمؤمنينَ الفضلاءِ وُدًّا ، وَوَهَبَهُمْ نَصْراً إذا ظُلِمُوا ، وَحَضَّتِ الشريعَةُ على نَصْرِهِمْ ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ رَدَّ عَنْ أخِيهِ في عِرْضِهِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ " ، وقوله ـــ عليه السلام ـــ : " مَنْ حَمَىٰ مُؤْمِناً مِنْ مُنَافِقٍ يَغْتَابُهُ ، بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَاً يَحْمِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ } يريدُ يَوْمَ القيامةِ ، قال الزَّجَّاج ، و { ٱلأَشْهَـٰدُ } : جَمْعُ شَاهِدٍ ، وقال الطبري : جمع شَهِيدٍ ، كَشريفِ وأشْرَافٍ ، و { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } بَدَلٌ من الأوَّلِ ، والمَعْذِرَةُ ، مَصْدَرٌ ، كالعُذْرِ ، ثم أخبرَ تَعَالَىٰ بقصَّةِ موسَىٰ ومَا آتاه منَ النُّبوَّةِ ، تأنيساً لمحمَّدٍ ، وضَرْبَ أُسْوَةٍ وتذكيراً بما كانتِ العربُ تَعْرفُه مِنْ أمرِ موسى ، فبيَّنَ ذلكَ أن محمداً لَيْسَ ببِدْعٍ من الرسل ، والهُدَى : النُّبُوَّةُ والحكمةُ ؛ التوراةُ تَعُمُّ جميعَ ذلك . وقوله تعالى : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِبْكَارِ } قال الطبريُّ : { ٱلإِبْكَارِ } : من طلوع الفَجْرِ إلى طلُوعِ الشَّمْسِ ، وقيلَ : مِنْ طلوعِ الشمْسِ إلى ارْتِفَاعِ الضُّحَىٰ ، وقال الحَسَنُ : { بِٱلْعَشِىِّ } يريدُ صلاةَ العَصْرِ ، { وَٱلإبْكَـٰرِ } يريدُ صلاةَ الصُّبْحِ . وقوله تعالى : { إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } [ أي : ليسُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ، بَلْ في صُدُورِهُمْ كِبْر ] وأَنَفَةٌ عليك ، ثُمَّ نَفَىٰ أنْ يكونُوا يَبلغُون آمالهم بِحَسَبِ ذلكَ الكِبْرِ ، ثم أمَرَهُ تعالى بالاسْتِعَاذَةِ باللَّهِ في كل أمْرِه مِنْ كُلِّ مُسْتَعَاذٍ مِنْه .