Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
رُوِيَ أَنَّ عُتْبَةَ بْنُ رَبِيعَةَ ذَهَبَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ ليحْتَجَّ عَلَيْهِ ، وَيُبَيِّنَ لَهُ أَمْرُ مُخَالَفَتِهِ لِقَوْمِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ عُتْبَةُ مِنْ كَلاَمِهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ » : { حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * كِتَـٰبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُ } إلى قوله : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [ فصلت : 13 ] فَأُرْعِدَ الشَّيْخُ ، وقَفَّ شَعْرُهُ ، وأَمْسَكَ عَلَىٰ فَمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَنَاشَدَهُ بِالرَّحِمِ أنْ يُمْسِكَ ، وقَالَ حِينَ فَارَقَهُ : وَاللَّهِ ، لَقَدْ سَمِعْتُ شَيْئاً مَا هُوَ بالشِّعْرِ ، وَلاَ هُوَ بِالكَهَانَةِ ، وَلاَ هُوَ بِالسِّحْرِ ، ولَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ صَاعِقَةَ الْعَذَابِ عَلَىٰ رَأْسِي » و { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } : صِفَتَا رَجَاءٍ ورحمةٍ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، و { فُصِّلَتْ } معناهُ بُيِّنَتْ و { ءَايَـٰتُهُ } أي : فُسِّرَتْ معانيه ، فَفُصِّلَ بين حلاله وحرامه ، ووَعْدِهِ ووَعِيدِهِ ، وقيل : فُصِّلَتْ في التنزيلِ ، أي : نزل نجوماً ، ولم ينزلْ مرةً واحدةً ، وقيل : فُصِّلَتْ بالمواقف وأنواعٍ أَوَاخِرِ الآيِ ، ولم يكن يرجعُ إلى قافية ونَحْوِها ؛ كالسَّجْعِ والشِّعْرِ . وقوله تعالى : { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قالت فرقة : يعلمون الأشياء ، ويعقلون الدلائل ، فكأنَّ القرآن فُصِّلَتْ آياته لهؤلاء ؛ إذ هم أهل الانتفاع بها ، فَخُصُّوا بالذكر ؛ تشريفاً ، وقالت فرقة : { يَعْلَمُونَ } : متعلِّقٌ في المعنى بقوله : { عَرَبِيّاً } أي : لقوم يعلمون ألفاظه ، ويتحقَّقون أنَّها لم يخرجْ شيْءٌ منها عن كلام العرب ، وَكأَنَّ الآيَةَ عَلَىٰ هذا التأْويلِ رَادَّةٌ علَىٰ مَنْ زَعَمَ أنَّ في كتابِ اللَّهِ ما لَيْسَ في كلامِ العَرَبِ ، والتأويلُ الأوَّلُ أَبْيَنُ وأَشْرَفُ مَعْنًى وبَيِّنٌ أنَّه ليس في القرآن إلاَّ ما هو مِنْ كَلاَمِ العَرَبِ ، إمَّا مِنْ أصْلِ لغتِها ، وإمَّا مِمَّا عرَّبته من لغة غيرها ، ثم ذُكِرَ في القرآن وهو مُعَرَّبٌ مُسْتَعْمَلٌ . وقوله تعالى : { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } نفي لسماعهم النافِعِ الذي يُعْتَدُّ به ، ثم حكَىٰ عنهم مقالتهم التي باعدوا فيها كُلَّ المباعدة ، وأرادوا أن يُؤْيِسُوهُ من قبولهم ما جاء به ، وهي : { قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } وأكِنَّةً : جمع كِنَانٍ ، والوَقْر : الثِّقْلُ في الأذن الذي يمنع السمع . وقوله تعالى : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ … } الآية : قال الحسن : المراد بالزكاة : زكاة المال ، وقال ابن عباس والجمهور : الزكاة في هذه الآية : لاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ التَّوْحِيدُ ؛ كما قال موسَىٰ لفرعَوْنَ : { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } [ النازعات : 18 ] ويُرَجِّحُ هذا التأويل أَنَّ الآية مَكِّيَّةٌ ، وزكاة المال إنما نزلَتْ بالمدينة ؛ وإنَّما هذه زكاة القلب والبدن ، أي : تطهيره من المعاصي ؛ وقاله مجاهد والربيع ، وقال الضَّحَّاكُ ومقاتلُ : معنى الزكاة هنا : النفقة في الطاعة ، و { غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال ابن عباس : معناه : غَيْر منقوصٍ ، وقالت فرقة : معناه : غَيْر مَقْطُوعٍ ؛ يقال : مَنَنْتُ الحَبْلَ : إذا قَطَعْتَهُ ، وقال مجاهد : معناه : غير محسوب ، قال * ع * : ويظهر في الآية أَنَّهُ وصفه بعدم المَنِّ والأَذَىٰ من حيثُ هو من جهة اللَّه تعالى ، فهو شرِيفٌ لا مَنَّ فيه ، وأُعْطِيَاتُ البشر هي التي يدخلها المَنُّ ، والأنداد : الأشباهُ والأَمثَالُ ، وهي إشارةٌ إلَىٰ كُلِّ ما عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّه . وقوله تعالى : { وَبَـٰرَكَ فِيهَا } أي : جعلها منبتَّةً للطَّيِّبات والأطعمة ، وجعلها طهوراً إلى غير ذلك من وجوه البركة ، وفي قراءةِ ابن مسعود : « وَقَسَّمَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا » واخْتُلِفَ في معنى قوله : { أَقْوَٰتَهَا } فقال السُّدِّيُّ : هي أقواتُ البَشَرِ وأرزاقُهُمْ ، وأضافها إلى الأرض ، من حيثُ هي فيها وَعَنْهَا ، وقال قتادة : هي أقواتُ الأرض : من الجبال ، والأنهار ، والأشجار ، والصُّخُور ، والمعادن ، والأشياءِ التي بها قِوَامُ الأَرْضِ ومَصَالِحُها ، وروى ابنُ عباس في هذا حديثاً مرفوعاً ، فشبَّهها بالقُوتِ الذي به قِوَامُ الحيوان ، وقال مجاهَدٌ أراد أقواتَهَا من المَطَرِ والمياه ، وقال الضَّحَّاكُ وغيره : أراد بقوله : { أَقْوٰتَهَا } : خصائصها التي قَسَّمها في البلاد من المَلْبُوسِ والمطعومِ ، فجعل في بَلَدٍ وفي قُطْرٍ ما ليس في الآخِرِ ، لِيَحْتَاجَ بعضُهم إلَىٰ بعضٍ ، ويُتَقوَّت مِنْ هذه في هذه ، وهذا قريبٌ من الأَوَّلِ . وقوله تعالى : { فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } يريد : باليومين الأولين ، وقرأ الجمهور : « سَوَاءً » بالنصب على الحال ، أي : سَوَاءً هي وما ٱنقضَىٰ فيها ، وقرأ أبو جعفر بن القَعْقَاعِ : « سَوَاءٌ » ـــ بالرفع ـــ ، أي : هِيَ سَوَاءٌ ، وقرأ الحسن : « سَوَاءٍ » بالخفض على نعت الأيَّامِ ، واخْتُلِفَ في معنى : « للسائلين » : فقال قتادة معناه : سواءٌ لِمَنْ سَأَلَ وٱسْتَفْهَمَ عن الأمْرِ وحقيقةِ وُقُوعِهِ ، وأراد العِبْرَةَ فيه ، فإنَّه يجده ، كما قال تعالى ، وقال ابن زيد وجماعة : معناه : مستوٍ مُهَيَّأٌ أمر هذه المخلوقات ونَفْعُهَا للمحتاجِينَ إلَيْهَا من البشر ، فعَبَّر عنهم بـ { لِّلسَّائِلينَ } بمعنى « الطالبين » ؛ لأَّنَّهُ من شَأْنهم ، ولاَ بُدَّ طَلَبَ ما ينتفعون به ، فهم في حُكْمِ مَنْ سَأَلَ هذه الأشياء ، إذ هُمْ أهل حاجة إليها ، ولفظة « سواء » تجري مَجْرَى عَدْل وزَوْر ، في أنْ تَرِدَ على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث . وقوله سبحانه : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَاءِ } معناه : بقدرته واختراعه إلى خلق السماء وإيجادها . وقوله تعالى : { وَهِىَ دُخَانٌ } رُوِيَ : أنَّها كانت جسماً رخْواً ؛ كالدُّخَانِ أوِ البُخَارِ ، ورُوِيَ : أَنَّه ممَّا أَمَرَهُ اللَّه تَعالَىٰ أنْ يَصْعَدَ مِنَ الماء ، وهنا محذوفٌ ، تقديرهُ : فأوجَدَهَا ، وأتقنها ، وأكمل أمْرهَا ، وحينئذٍ قال لها وللأرْضِ أئتيا بمعنى ائتيا أمري وإرادتي فيكما ، وقرأ ابن عباس : « آتِيَا » بمعنى : أعطيا مِنْ أنْفُسِكُمَا من الطاعة ما أردتُهُ منكما ، والإشارةُ بهذا كلِّه إلَىٰ تسخيرهما وما قَدَّرَهُ اللَّه من أعمالهما . وقوله : { أَوْ كَرْهاً } فيه محذوف تقديره ٱئْتِيَا طَوْعاً وإلاَّ أتيتما كرهاً . وقوله سبحانه : { قَالَتَا } أراد الفرقتَيْنِ جعل السمواتِ سماءً والأرضِينَ أرْضاً ، وٱخْتُلِفَ في هذه المقالةِ مِنَ السَّمٰوَاتِ والأرضِ ، هَلْ هُوَ نُطْقٌ حقيقةٌ أو هو مجازٌ ؟ لما ظهر عليها من التذلُّل والخضوعِ والانقيادِ الذي يتنزل منزلة النُّطْقِ ، قال * ع * : والقول الأَوَّل : أَنَّه نُطْقٌ حقيقة ـــ أَحْسَنُ ؛ لأَنه لا شَيْءَ يدفعه ـــ ، وأَنَّ العبرة به أَتَمُّ والقدرةَ فيه أظهرُ .