Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 29-35)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { بَلْ مَتَّعْتُ هَـؤُلاَءِ } يعني قريشاً { حَتَّىٰ جَاءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ } ، وذلك هو شرع الإسلام ، والرسول [ هو ] محمد صلى الله عليه وسلم و { مُّبِينٌ } أي : يبين لهم الأحكام ، والمعنى في الآية : بل أمهلتُ هؤلاءِ وَمَتَّعْتُهُمْ بالنعمة { وَلَمَّا جَاءَهُمُ ٱلْحَقُّ } يعني القرآن { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ } . { وَقَالُواْ } يعني قريشاً : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } يعني : من إحدى القريتين ، وهما مَكَّةُ والطَّائِفُ ، ورجل مَكَّةَ هو الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في قول ابن عباس وغيره ، وقال مجاهد : هو عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وقيل غير هذا ، ورجل الطائف : قال قتادة : هو عُرْوَةُ بْنُ مسعود ، وقيل غير هذا ، قال * ع * : وإنَّما قصدوا إلى من عظم ذكره بِالسِّنِّ ، وإلاَّ فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أعظمَ من هؤلاء ؛ إذ كان المُسَمَّىٰ عندهم « الأمين » ، ثم وَبَّخَهُم سبحانه بقوله : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتِ رَبِّكَ } و « الرحمة » اسم عامٌّ يشمل النُّبُوَّةَ وغيرها ، وفي قوله تعالى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } تزهيدٌ في السعايات ، وعون على التَّوَكُّلِ على اللَّه عز وجل ؛ وللَّه دَرُّ القائل : [ الرجز ] @ [ كَمْ جَاهِلٍ يَمْلِكُ دُوراً وَقُرًىٰ [ وَعَالِمٍ يَسْكُنُ بَيْتاً بِالْكِرَا ] لَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ سُبْحَانَه نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ زَالَ المِرَا @@ وروى ابن المبارك في « رقائقه » بسنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً أَرْضَاهُ بِمَا قَسَمَ لَهُ ، وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ ، وَإذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْراً ، لَمْ يُرْضِهِ بِمَا قَسَمَ لَهُ ، وَلَمْ يُبَارِكْ لَهُ فِيهِ " انتهى ، و { سُخْرِيّاً } بمعنى التسخير ، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية . وقوله تعالى : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } قال قتادة والسُّدِّيُّ : يعني الجنة ، قال * ع * : ولا شَكَّ أَنَّ الجنة هي الغاية ، ورحمة اللَّه في الدنيا بالهداية والإيمان خير من كُلِّ مال ، وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا ، وتزهيد فيها ، ثم استمرَّ القولُ في تحقيرها بقوله سبحانه : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً … } الآية ؛ وذلك أَنَّ معنى الآية أَنَّ اللَّه سبحانه أبقى على عباده ، وأنعم عليهم بمراعاة بقاء الخير والإيمان ، وشاء حفظه على طائفة منهم بَقِيَّةَ الدهر ، ولولا كراهيةُ أنْ يكونَ الناسُ كُفَّاراً كُلُّهم ، وأَهْلَ حُبٍّ في الدنيا وتجرُّدٍ لها ـــ لوسَّعَ اللَّه على الكفار غايةَ التوسعة ، ومَكَّنَهم من الدنيا ؛ وذلك لحقارتها عنده سبحانه ، وأنها لا قَدْرَ لها ولا وزنَ ؛ لفنائها وذَهَابِ رسومها ، فقوله : { أُمَّةً وَاحِدَةً } معناه في الكُفْرِ ؛ قاله ابن عباس وغيره ، ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَىٰ كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ " وروى ابن المبارك في « رقائقه » بسنده عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّه قال : " ٱضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ الحَصِيرُ في جَنْبِهِ ، فَلَمَّا ٱسْتَيْقَظَ ، جَعَلْتُ أَمْسَحُ عَنْهُ ، وَأَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ آذَنْتَنِي قَبْلَ أَنْ تَنَامَ عَلَىٰ هَذَا الحَصِيرِ ، فَأَبْسُطَ لَكَ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقِيكَ مِنْهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا لِيَ ولِلدُّنْيَا ، وَمَا لِلدُّنْيَا وَمَا لِي مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إلاَّ كَرَاكِبٍ ٱسْتَظَلَّ في فَيْءِ أَوْ ظِلِّ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا " انتهَىٰ ، وقد خَرَّجه التِّرمذيُّ ، وقال : حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، ، و { سُقُفاً } جمع سَقْف ، والمعارج : الأدراج التي يُطْلَعُ عليها ؛ قاله ابن عباس وغيره ، و { يَظْهَرُونَ } معناه : يعلون ؛ ومنه حديث عائشةَ ( رضي اللَّه عنها ) والشمس في حجرتها لم تظهر بعد ، والسُّرُرُ : جمع سرير ، والزُّخْرُفُ : قال ابن عَبَّاس ، والحسن ، وقتادة والسُّدِّيُّ : هو الذهب ، وقالت فرقة : الزُّخْرُفُ : التزاويق والنَّقْش ونحوه ؛ وشاهده : { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } [ يونس : 24 ] وقرأ الجمهور : { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا } ـــ بتخفيف الميم ـــ من « لما » ؛ فـ « إنْ » مُخَفَّفَةٌ من الثقيلة ، واللام في « لما » داخلةٌ ؛ لتَفْصِلَ بين النفي والإيجاب ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، وهشام بخلافٍ عنه ـــ بتشديد الميم ـــ من « لمَّا » ؛ فـــ « إنْ » نافيةٌ بمعنى [ « مَا » ، و « لَمَّا » بمعنى ] « إلاَّ » ، أي : وما كُلُّ ذلك إلاَّ متاعُ الحياة الدنيا ، وفي قوله سبحانه : { وَٱلأَخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } وعْدٌ كريمٌ ، وتحريضٌ على لزوم التقوَىٰ ، إذْ في الآخرة هو التباينُ الحقيقيُّ في المنازل ؛ قال الفخر : بَيَّنَ تعالَىٰ أَنَّ كُلَّ ذلك متاع الحياة الدنيا ، وأَمَّا الآخرة فهي باقيةٌ دائمةٌ ، وهي عند اللَّه وفي حُكْمِهِ للمتَّقِينَ المُعْرِضِينَ عَنْ حُبِّ الدنيا ، المقبلين عَلَىٰ حُبِّ المَوْلَى ، انتهى .