Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 36-42)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله عزَّ وجلَّ : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الآية ، وعَشَا يَعْشُو معناه : قَلَّ الإبصارُ منه ، ويقال أيضاً : عَشِيَ الرجلُ يَعْشَىٰ : إذا فَسَدَ بَصَرُه ، فلم يَرَ ، أَو لَمْ يَرَ إلاَّ قليلاً ، فالمعنى في الآية : ومَنْ يَقِلُّ بَصَرُهُ في شرع اللَّه ، ويغمضُ جفونه عن النَّظَرِ في ذِكْرِ الرحْمٰنِ ، أي : فيما ذكَّر به عباده ، أي : فيما أنزله من كتابه ، وأوحاه إلى نَبِيِّه . وقوله : { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } أي : نُيَسِّرْ له ، ونُعِدَّ ، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدمِ الفلاحِ ، وهذا كما يقال : إنَّ اللَّه تعالى يُعَاقِبُ على المعصية بالتزيُّد في المعاصي ، ويجازي على الحسنة بالتزيُّد من الحَسَنَاتِ ، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً . قال * ص * : { وَمَن يَعْشُ } الجمهور بضم الشين ، أي : يَتَعَامَ ويتجاهَلْ ، فـ { مَنْ } شرطيةٌ ، و { يَعْشُ } مجزومٌ بها ، و { نُقَيِّضْ } جوابُ { مَنْ } ، انتهى ، والضمير في قوله : { وَإِنَّهُمْ } عائد على الشياطين ، وفيما بعده عائد على الكُفَّارِ ، وقرأ نافع وغيره : « حَتَّى إذَا جَاءَانَا » ؛ على التثنية ، يريد : العاشي والقرين ؛ قاله قتادة وغيره ، وقرأ أبو عمرو وغيره : « جَاءَنا » يريد العاشي وحدَه ، وفاعل { قَالَ } هو العَاشِي ، قال الفَخْرُ : ورُوِيَ أَنَّ الكافر إذا بُعِثَ يوم القيامة من قبره أَخَذَ شَيْطَانٌ بيده ، فلم يُفَارِقْهُ حَتَّىٰ يصيِّرهما اللَّه إلى النار ، فذلك حيث يقول : { يَٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } انتهى . وقوله : { بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } يحتمل مَعَانِيَ : أحدها : أن يريد بُعْدَ المشرق من المغرب ، فَسَمَّاهما مَشْرِقَيْنِ ؛ كما يقال القَمَرَانِ ، والعُمَرَانِ . والثاني : أنْ يريد مشرق الشمس في أطول يوم ، ومشرقها في أقصر يوم . والثالث : أنْ يريد بعد المشرقَيْنِ من المغربين ، فاكتفى بذكر المشرقين . قلت : واستبعد الفَخْرُ التأويل الثاني قال : لأَنَّ المقصودَ من قوله : { يَٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } المبالغةُ في حصول البُعْدِ ، وهذه المبالغة إنَّما تحصل عند ذكر بُعْدٍ لا يمكن وُجُودُ بُعْدٍ أزيدَ منه ، والبُعْدُ بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف ليس كذلك ، فَيَبْعُدُ حَمْلُ اللَّفْظِ عليه ؛ قال : والأكْثَرُونَ عَلَى التأويل الأَوَّلِ ، انتهى . وقوله تعالى : { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ … } الآية ، حكايةٌ عن مقالة تُقَالُ لهم يوم القيامة ، وهي مقالة مُوحِشَةٌ فيها زيادةُ تعذيبٍ لهم ويأْسٍ من كل خير ، وفاعل { يَنفَعَكُمُ } الاشتراك ، ويجوز أنْ يكون فاعل { يَنفَعَكُمُ } التُّبَرِّي الذي يدل عليه قوله : { يَٰلَيْتَ } . وقوله سبحانه : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ … } الآية ، خطاب لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وباقي الآية تكرَّر معناه غيرَ ما مَرَّةٍ .