Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 9-14)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } : الآيةُ ابتداءُ احتجاجٍ علَىٰ قُرَيْشٍ يوجبُ عليهم التناقُضَ من حيث أَقرّوا بالخَالِقِ ، وعَبَدُوا غيره ، وجاءتِ العبارةُ عنِ اللَّه بـ { ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } ؛ ليكونَ ذلك تَوْطِئَةً لما عَدَّدَ سبحانه من أوصافه التي ابتدأَ الإخبار بها ، وقَطَعَهَا من الكلام الذي حَكَىٰ معناه عن قُرَيْشٍ . وقوله تعالى : { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } الآية ، هذه أوصافُ فِعْلٍ ، وهي نِعَمٌ من اللَّه سبحانه على البَشَرِ ، تقوم بها الحُجَّةُ على كُلِّ مُشْرِكٍ . وقوله : { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ } ليس هو مِنْ قَوْلِ المسؤولين ، بل هو ابتداء إخبارٍ من اللَّه تعالى . وقوله سبحانه : { وَٱلَّذِى نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءَ بِقَدَرٍ } قيل : معناه : بقدر في الكفاية للصلاح لا إكثار فَيَفْسُدَ ، ولا قِلَّة فيقصر ؛ بل غيثاً مُغِيثاً ، وقيل : { بِقَدَرٍ } أي : بقضاء وحَتْمٍ ، وقالت فرقة : معناه : بتقديرٍ وتحريرٍ ، أي : قدر ماء معلوماً ، ثم اختلف قائلُو هذه المقالة فقال بعضهم : ينزل في كلِّ عامٍ ماءً قَدْراً واحداً ، لا يَفْضُلُ عامٌ عاماً ، لكن يكثر مرَّةً ههنا ومرة ههنا ، وقال بعضهم : بل ينزل تقديراً مَّا في عَامٍ ، وينزل في آخرَ تقديراً مَّا ، وينزل في آخر تقديراً آخرَ بِحَسَبِ ما سَبَقَ به قضاؤه لا إلٰه إلا هو . قُلْتُ : وبعض هذه الأقوالِ لا تُقَالُ من جهة الرأْيِ ، بل لا بُدَّ لها من سَنَدٍ ، و { أَنشَرْنَا } معناه : أَحْيَيْنَا ؛ يقال : نُشِرَ المَيِّتُ وأَنْشَرَهُ اللَّهُ ، والأزواجُ هنا الأنواعُ من كل شيْءٍ ، و { مِنْ } في قوله : { مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَـٰمِ } للتبعيض ، والضمير في { ظُهُورِهِ } عائدٌ على النوع المركوبِ الذي وقَعَتْ عليه « ما » ، وقد ، بَيَّنَتْ آية أخرَىٰ ما يقال عند ركوب الفُلْكِ ، وهو : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ هود : 41 ] وإنما هذه خاصَّةٌ فيما يُرْكَبُ من الحيوان ، وإنْ قَدَّرنا أَنَّ ذِكْر النعمة هو بالقَلْبِ ، والتذكُّر بدء الراكِبُ بـ { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } ، وهو يرى نعمة اللَّه في ذلك وفي سواه و { مُقْرِنِينَ } أي : مطيقين ، وقال أبو حيَّان { مُقْرِنِينَ } : خبر كان ، ومعناه غالبين ضابطين ، انتهى ، وهو بمعنى الأَوَّل ، { وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } أَمْرٌ بالإقرار بالبعث . * ت * : وعن حمزة بن عمرو الأسلميِّ قال : قال رسولُ اللَّهِ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ : " عَلَىٰ ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ ، فَإذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ " رواه ابن حِبَّان في « صحيحه » ، انتهى من « السلاح » ، وينبغي لمن مَلَّكَهُ اللَّه شيئاً من هذا الحيوان أَنْ يَرْفُقَ به ويُحْسِنَ إليه ؛ لينالَ بذلك رضا اللَّه تعالى ، قال القُشَيْرِيُّ في « التحبير » : وينبغي لِلْعَبْدِ أنْ يكُونَ مُعَظِّماً لِرَبِّه ، نَفَّاعاً لخلقه ، خيراً في قومه ، مُشْفِقاً علَىٰ عباده ؛ فَإنَّ رأس المعرفة تعظيمُ أمر اللَّه سبحانه ، والشفقَةُ على خَلْقِ اللَّه ، انتهى ، ورَوَىٰ مالكٌ في « المُوَطَّإ » عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّه قال : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إذِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ، فَخَرَجَ فَإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ ، يَأْكُلُ الثَّرَىٰ مِنَ العَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقَى فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإنَّ لَنَا في الْبَهَائِمِ أَجْرَاً ؟ ! فَقَالَ : في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " قال أبو عُمَرَ في « التمهيد » : وكذا في الإساءة إلى الحيوان إثْمٌ ، وقد رَوَىٰ مالكٌ ، عن نافع ، عن ابنِ عمر ؛ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا ، ولاَ هِيَ أَطْلَقَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ " ، ثم أسند أبو عُمَرَ ؛ " أَنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطاً مِنْ حِيطَانِ الأَنْصَارِ ، فَإذَا جَمَلٌ قَدْ أُتِيَ فَجُرْجِرَ ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ ، فَسَكَنَ ، فَقَالَ : مَنْ صَاحِبُ الجَمَلِ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأنْصَارِ ، فَقَالَ : هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ في هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ ؛ إنَّهُ شَكَا إلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ " ومعنى ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، أي : قَطَرَتْ دموعُهما قطراً ضعيفاً ، والسَّرَاةُ الظَّهْرُ ، « والذِّفْرَىٰ » : ما وراءَ الأذنَيْن عن يمين النُّقْرَةِ وشِمَالِهَا ، انتهى .