Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 4-9)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ … } الآية : قال أَكْثَرُ العلماءِ : إنَّ هذه الآية وآيةَ السَّيْفِ ، وهي قوله تعالى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] مُحْكَمَتَانِ ، فقوله هنا : { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } بمثابة قوله هنالك : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } ، وصرَّح هنا بذكر المَنِّ والفداء ، ولم يُصَرِّحْ به هنالك ، فهذه مُبَيِّنَةٌ لِتِلْكَ ، وهذا هو القولُ القويُّ ، وقوله : { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } مصدر بمعنى الفِعْل ، أي : فاضربوا رقابهم وعَيَّنَ مِنْ أنواع القَتْلِ أَشْهَرَهُ ، والمراد : ٱقتُلُوهُمْ بأَيِّ وجه أَمكَنَ ؛ وفي صحيح مسلمٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلهُ في النَّارِ أَبَداً " وفي « صحيح البخاري » عنه صلى الله عليه وسلم قال : " مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ في سَبِيلِ اللَّهِ ؛ فَتَمَسَّهُ النَّارُ " انتهى . والإثخان في القوم أنْ يكثر فيهم القتلَىٰ والجرحَىٰ ، ومعنى : { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } أي : بمن لم يُقْتَلْ ، ولم يترتَّب فيه إلاَّ الأسْرُ ، ومَنًّا وفِدَاءً : مصدران منصوبانِ بفعلَيْن مُضْمَرَيْنِ . وقوله : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } معناه : حتى تذهبَ الحربُ وتزولَ أثقالُهَا ، والأوزار : الأثقال ؛ ومنه قول عَمْرِو بنِ مَعْدِ يكرِبَ : [ من المتقارب ] @ وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا رِمَاحاً طِوَالاً وَخَيْلاً ذُكُورَا @@ واختلف المتأولون في الغاية التي عندها تضع الحربُ أوزارها ، فقال قتادة : حتى يُسَلِّمَ الجميعُ ، وقال حُذَّاقُ أهل النظر : حتى تغلبوهم وتَقْتُلُوهُمْ ، وقال مجاهد : حتى ينزلَ عيسى ابْنُ مَرْيَمَ ، قال * ع * : وظاهر اللفظ أَنَّهُ استعارةٌ يُرَادُ بها التزامُ الأمْرِ أبداً ؛ وذلك أَنَّ الحربَ بين المؤمنين والكافرين لا تضع أوزارها ، فجاء هذا كما تقول : أنا أفعل كذا وكذا إلَىٰ يَوْمِ القيامةِ ، وإنَّما تريد أَنَّك تفعله دائماً . { وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } أي : بعذابٍ مِنْ عنده ، ولكن أراد سبحانه ٱختبارَ المؤمنين ، وأنْ يَبْلُوَ بعضَ الناس ببعضٍ ، وقرأ الجمهور : { قَاتَلُواْ } وقرأ عاصم بخلاف عنه : { قَـٰتَلُواْ } ـــ بفتح القاف والتاء ـــ ، وقرأ أبو عمرو وحَفْصٌ : { قُـٰتِلُواْ } ـــ بضم القاف وكسر التاء ـــ ، قال قتادة : نزلَتْ هذه الآيةُ فيمَنْ قُتِلَ يوم أُحُدٍ من المؤمنين . وقوله سبحانه : { سَيَهْدِيهِمْ } أي : إلى طريقِ الجَنَّةِ . * ت * : ذكر الشيخ أبو نُعَيْمٍ الحافظُ أنَّ مَيْسَرَةَ الخادمَ قال : غزونا في بعض الغَزَوَاتِ ، فإذا فتًى إلى جانِبي ، وإذا هو مُقَنَّعٌ بالحديد ، فَحَمَلَ على المَيْمَنَةِ ، فَثَنَاها ، ثُمَّ على المَيْسَرَةِ حتى ثَنَاهَا ، وحَمَلَ عَلَى القَلْبِ حتى ثناه ، ثم أنشأ يقول [ الرجز ] @ أَحْسِنْ بِمَوْلاَكَ سَعِيدُ ظَنَّا هَذا الَّذِي كُنْتَ لَهُ تَمَنَّىٰ تَنَحِّ يَا حُورَ الْجِنَانِ عَنَّا مَالَكِ قَاتَلْنَا وَلاَ قُتِلْنَا لَكِنْ إلَىٰ سَيِّدِكُنَّ ٱشْتَقْنَا قَدْ عَلِمَ السِّرَّ وَمَا أَعْلَنَّا @@ قال : فحمل ، فقاتل ، فَقَتَلَ منهم عدداً ، ثم رَجَعَ إلى مَصَافِّهِ ، فتكالَبَ عليه العَدُوُّ ، فإذا هو ـــ رضي اللَّه تعالى عنه ـــ قد حمل على الناس ، وأنشأ يقول : [ الرجز ] @ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو وَرَجَائِي لَمْ يَخِبْ أَلاَّ يَضِيعَ الْيَوْمَ كَدِّي وَالطَّلَبْ يَا مَنْ مَلاَ تِلْكَ الْقُصُورَ باللُّعَبْ لَوْلاَكَ مَا طَابَتْ وَلا طَابَ الطَّرَبْ @@ ثم حَمَلَ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ فقاتل ، فَقَتَلَ منهم عَدَداً ، ثم رجع إلى مَصَافِّه ، فتكالَبَ عليه العَدُوُّ فحَمَلَ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ في المرة الثالثة ، وأنشأ يقول : [ الرجز ] @ يَا لُعْبَةَ الخُلْدِ قِفِي ثُمَّ ٱسْمَعِي مَالَكِ قَاتَلْنَا فَكُفِّي وَٱرْجِعِي ثُمَّ ٱرْجِعِي إلَى الْجِنَانِ وَٱسْرِعِي لاَ تَطْمَعِي لاَ تَطْمَعِي لاَ تَطْمَعِي @@ فقاتل ـــ رضي اللَّه عنه ـــ حتَّىٰ قُتِلَ ، ، انتهى من ابن عَبَّاد شارح « الحِكَم » . وقوله تعالى : { عَرَّفَهَا لَهُمْ } قال أبو سعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، وقتادة ، ومجاهد : معناه : بَيَّنَهَا لهم ، أي : جعلهم يعرفون منازلهم منها ، وفي نحو هذا المعنى قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " لأَحَدُكُمْ بِمَنْزِلِهِ في الجَنَّة أَعْرَفُ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ في الدّنْيَا " قال القرطبيُّ في « التذكرة » : وعلَىٰ هذا القولِ أكثرُ المفسِّرين قال : وقيل : إنَّ هذا التعريفَ إلى المنازِلِ هو بالدليلِ ، وهو المَلَكُ المُوَكَّلُ بِعَمَلِ العَبْدِ ، يمشي بين يَدَيْهِ ، ، انتهى ، وقالت فرقة : معناه : سَمَّاها لهم ، ورَسَمَهَا كُلُّ منزل باسم صاحبه ، فهذا نحو من التعريف ، وقالت فرقة : معناه شَرَّفَهَا لهم ورفعها وعلاَّها ، وهذا من الأَعْرَافِ التي هي الجبال ، ومنه أعرافُ الخَيْلِ ، وقال مُؤَرِّجٌ وغيره : معناه : طَيَّبَهَا ؛ مأخوذٌ من العَرْفِ ، ومنه طَعَامٌ مُعَرَّفٌ ، أي : مُطَيَّبٌ ، وعَرَّفْتُ القِدْرَ : طَيَّبْتُها بالمِلْحِ والتَّابِلِ ، قال أبو حيَّان : « وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ » البال : الفِكْرُ ولا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ ، انتهى . وقوله سبحانه : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ } أي : دينَ اللَّه { يَنصُرْكُمْ } بخلق القوَّةِ لكم وغَيْرِ ذلك من المعاون ، { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } أي : في مواطن الحَرْبِ ، وقيل : على الصراط في القيامة . وقوله : { فَتَعْساً لَّهُمْ } معناه : عِثَاراً وهَلاَكاً لهم ، وهي لفظة تقالُ للعَاثِرِ ، إذا أُرِيدَ به الشَّرُّ ؛ قال ابن السِّكِّيتِ : التَّعْسُ : أنْ يَخِرَّ على وجهه . وقوله تعالى : { كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } يريد : القرآن { فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ } قال * ع * : ولا خلافَ أَنَّ الكافر له حَفَظَةٌ يكتبون سَيِّئاتِهِ ، واختلف الناسُ في حَسَنَاتِهِمْ ، فقالت فرقة : هي مُلْغَاةٌ يثابُونَ عليها بِنِعَمِ الدنيا فقَطْ ، وقالت فرقة : هي مُحْصَاةٌ من أجل ثواب الدنيا ، ومن أجل أَنَّهُ قد يُسْلِمُ فينضافُ ذلك إلى حسناته في الإسلام ، وهذا أحدُ التأويلَيْنِ في قوله صلى الله عليه وسلم لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ : " أَسْلَمْتَ عَلَىٰ مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ " .