Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-17)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } قال مجاهد وغيره : هم جُهَيْنَةُ ومُزَيْنَةُ ، ومَنْ كان حول المدينة من الأعراب ؛ وذلك أَنَّ النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حين أراد المسيرَ إلى مَكَّة عام الحديبية مُعْتَمِراً ، استنفر مَنْ حولَ المدينة من الأعراب وأَهلِ البوادي ؛ ليخرجوا معه ؛ حذراً من قريش ، وأحرم بالعمرة ، وساق معه الهَدْيَ ؛ ليعلمَ الناس أنه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه هؤلاء المُخَلَّفُونَ ، ورأوا أَنَّهُ [ يستقبل ] عدوّاً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة ، وهم الأحابيش ، ولم يكن تَمَكَّنَ إيمانُ هؤلاءِ المُخَلَّفِينَ ، فقعدوا عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وتخلَّفُوا وقالوا : لَنْ يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة ، ففضحهم اللَّه في هذه الآية ، وأَعْلَمَ نَبِيَّه محمداً ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بقولهم ، واعتذارهم قبلَ أَنْ يَصِلَ إليهم ، فكان كما أخبر اللَّه سبحانه ، فقالوا : « شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا عَنْكَ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا » وهذا منهم خُبْثٌ وإبطال ، لأَنَّهم قالوا ذلك مُصَانَعَةً من غير توبة ولا ندم ؛ فلذلك قال تعالى : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } ثم قال تعالى لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ : { قُلْ } : لَهُمْ { فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } أي : مَنْ يحمي منه أموالكم وأهليكم إنْ أراد بكم فيها سوءاً ، وفي مصحف ابن مسعود : إنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً ثم رَدَّ عليهم بقوله : { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } ثم فَسَّرَ لهم العِلَّةَ التي تخلَّفُوا من أجلها بقوله : { بَلْ ظَنَنْتُمْ … } الآية ، و { بُوراً } معناه : هلكى فاسدين ، والبوار الهلاك ، والبور في لغة « أَزْد عمان » : الفاسد ، ثم رجى سبحانه بقوله : { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ثم إنَّ اللَّه سبحانه أَمَرَ نَبِيَّه [ على ] ما رُوِيَ [ بغزو ] خيبرَ ، ووعده بفتحها ، وأعلمه أَنَّ المُخَلَّفِينَ إذا رأوا مسيرَ رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ إلى يهود ، وهم عَدُوٌّ مُسْتَضْعَفٌ ـــ طلبوا الكونَ معه ؛ رغبةً في عَرَضِ الدنيا والغنيمة ، فكان كذلك . وقوله تعالى : { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } معناه : أنْ يغيروا وعده لأهلِ الحُدَيْبِيَّةِ بغنيمة خيبرَ ، وقال ابن زيد : كلام اللَّه هو قوله تعالى : { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } . قال * ع * : وهذا ضعيف ؛ لأَنَّ هذه الآية نزلت في غزوة تبوك في آخر عمره ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وآية هذه السورة نزلت عامَ الحديبية ، وأيضاً فقد غَزَتْ جُهَيْنَةُ ومُزَيْنَةُ بعد هذه المُدَّةِ مع رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يعني غزوة الفتح ، فتح مَكَّة . * ت * : قال الثعلبي : وعلى التأويل الأَوَّل عامَّةُ أهل التأويل ، وهو أصوب من تأويل ابن زيد . وقوله : { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } يريد وعده قبل باختصاصهم بها ، وباقي الآية بين . وقوله سبحانه : { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } قال قتادة وغيره : هم هوازن وَمَنْ حارب النبيَّ ـــ عليه السلام ـــ يومَ حُنَيْنٍ ، وقال الزُّهْرِيُّ وغيره : هم أهل الرِّدَّةِ وبنو حنيفة باليمامة ، وحكى الثعلبيُّ عن رافع بن خديج أَنَّهُ قال : واللَّهِ لقد كُنَّا نقرأ هذه الآية فيما مضى ، ولا نعلم مَنْ هم حَتَّى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أَنَّهُمْ هم المراد ، وقيل : هم فارس والروم ، وقرأ الجمهور : « أَوْ يُسْلِمُونَ » على القطع أي : أو هم يسلمون دونَ حرب ، قال ابن العربي : والذين تَعَيَّنَ قتالُهم حتى يسلموا مِنْ غير قبول جزية ، هم العرب في أَصَحِّ الأقوال ، أوِ المرتدون ، فأَمَّا فارس والروم فلا يُقَاتَلونَ إلى أَنْ يسلموا ؛ بل إنْ بذلوا الجزية قُبِلَتْ منهم ، وهذه الآية إخبار بمغيب ؛ فهي من معجزات النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ، انتهى من « الأحكام » . وقوله : { فَإِن تُطِيعُواْ } أي : فيما تُدعون إليه ، وباقي الآية بَيِّنٌ . ثم ذكر تعالى أهل الأعذار ، ورَفَعَ الحرج عنهم ، وهو حكم ثابت لهم إلى يوم القيامة ، ومع ارتفاع الحَرَج فجائز لهم الغزوُ ، وأجرهم فيه مُضَاعَفٌ ، وقد غزا ابن أُمِّ مكتوم [ وكان يُمْسِكُ الرَايةَ في بعض حروب القادسية ، وقد خَرَّجَ النسائِيُّ هذا المعنى ، وذكر ابنَ أمِّ مكتوم ] رحمه اللَّه .