Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ … } الآية : قال ابن زيد : معنى : { لاَ تُقَدِّمُواْ } لا تمشوا ، وقرأ ابن عباس ، والضَّحَّاكُ ، ويعقوب : ـــ بفتح التاءِ والدال ـــ ، على معنى : لا تَتَقَدَّمُوا ، وعلى هذا يجيء تأويل ابن زيد ، والمعنى على ضم التاء : بين يدي قولِ اللَّه ورسوله ، ورُوِيَ أَنَّ سَبَبَ هذه الآية أَنَّ وفد بني تميم لما قَدِمَ ، قال أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي اللَّه عَنْهُ - : يا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَمَرْتَ الْقَعْقَاعَ بنَ مَعْبَدٍ ؟ وَقَالَ عُمَرُ : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : مَا أَرَدْتَ إلا خِلافي ، فَقَالَ عُمَرُ : مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا ، فَنَزَلَتِ الآيةُ ، وذهب بعض قَائِلِي هذه المَقَالَةِ إلَىٰ أَنَّ قوله : { لاَ تُقَدِّمُواْ } : أي : وُلاَةً ، فهو من تقديم الأمراء ، وعموم اللفظ أحسن ، أي : اجعلوه مبدأ في الأَقوال والأَفعال ، وعبارة البخاريِّ : وقال مجاهد : « لا تقدموا » : لا تَفْتَاتُوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يقضيَ اللَّه عز وجل على لسانه ، انتهى . وقوله سبحانه : { لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ } الآية ، هي أيضاً في هذا الفنِّ المتقدِّم ؛ فرُويَ أَنَّ سببها ما تقدم عن أبي بكر وعمر ـــ رضي اللَّه عنهما ـــ والصحيح أَنَّها نزلت بسبب عادة الأَعراب من الجَفَاءِ وعُلُوِّ الصَّوْتِ ، وكان ثابت بن قيس بن شماس ـــ رضي اللَّه عنه ـــ مِمَّنْ في صوته جهارة فلما نزلت هذه الآية اهْتَمَّ وخاف على نفسه ، وجلس في بيته لم يخرج ، وهو كئيب حزين حتى عَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خبره فبعث إليه ، فآنسه ، وقال له : " امْشِ في الأَرْضِ بَسْطاً ؛ فإنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ " ، وَقَالَ لَهُ مَرَّةً : " أَمَا تَرْضَىٰ أَنْ تَعِيشَ حَمِيداً ، وَتَمُوتَ شَهِيداً ؟ " فعاش كذلك ، ثم قُتِلَ شَهِيداً بِاليَمَامَةِ يَوْمَ مُسَيْلَمَةَ . * ت * : وحديث ثابت بن قيس وتبشيره بالجنة خَرَّجَهُ البخاريُّ ، وكذلك حديث أبي بكر وعمر وارتفاع أصواتهما خَرَّجه البخاريُّ أيضاً ، انتهى . وقوله : { كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي : كحال أحدكم في جفائه ، فلا تنادوه باسمه : يا محمد ، يا أحمد ؛ قاله ابن عباس وغيره ، فأمرهم اللَّه بتوقيره ، وأنْ يدعوه بالنبوَّةِ والرسالة ، والكلام اللَّيِّنِ ، وكَرِهَ العلماءُ رفعَ الصوت عند قبرِ النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرة العَالِمِ وفي المساجد ، وفي هذه كلها آثار ؛ قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : وحُرْمَةُ النبي صلى الله عليه وسلم مَيِّتاً كحرمته حَيًّا ، وكلامه المأثور بعد موته في الرِّفْعَةِ مِثْلُ كلامه المسموع من لفظه ، فإذا قُرىءَ كلامُه وجب على كل حاضر أَلاَّ يرفعَ صوتَهُ عليه ، ولا يُعْرِضَ عنه ، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تَلَفُّظِهِ بِه ، وقد نَبَّهَ اللَّه تعالى على دوام الحُرْمَةِ المذكورة على مرور الأزمنة بقوله : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } [ الأعراف : 204 ] وكلام النبي صلى الله عليه وسلم هو من الوحي ، وله من الحُرْمَةِ مِثْلُ ما للقرآن ، انتهى . وقوله تعالى : { أَن تَحْبَطَ } مفعول من أجله ، أي : مخافةَ أَنْ تحبطَ ، ثم مدح سبحانه الذين يَغُضّون أصواتهم عند رسول اللَّه ، وغَضُّ الصوت خَفْضُهُ وكَسْرُهُ ، وكذلك البصر ، ورُوِيَ : أَنَّ أبا بكر وعمر كانا بعد ذلك لا يُكَلِّمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلاَّ كَأَخِي السِّرَارِ ، وأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحتاج مع عمر بعد ذلك إلى استعادة اللفظ ؛ لأَنَّهُ كان لا يسمعه من إخفائه إيَّاه ، و { ٱمْتَحَنَ } معناه : اختبر وطَهَّرَ كما يُمْتَحَنُ الذهبُ بالنار ، فَيَسَّرَهَا وهَيَّأها للتقوى ، وقال عمر بن الخطاب : امتحنها للتقوى : أذهب عنها الشهوات . قال * ع * : من غَلَبَ شهوتَه وغضبَه فذلك الذي امتحن اللَّه قلبه للتقوى ، وبذلك تكونُ الاستقامة ، وقال البخاريُّ : { ٱمْتَحَنَ } : أخلص ، انتهى .