Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 109-111)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } ؛ ذهب قومٌ إلى أن العاملَ في { يَوْمٍ } : ما تقدَّم مِنْ قوله تعالى : { لاَّ يَهِدِّي } ، وذلك ضعيفٌ ، ورصْفُ الآيةِ وبراعَتُها إنما هو أنْ يكونَ هذا الكلامُ مستأنَفاً ، والعاملُ مقدَّر ، إما « اذكر » ، أو : « تَذَكَّرُوا » ، أو « ٱحْذَرُوا » ، ونحو هذا ممَّا حَسُنَ ٱختصاره ؛ لعِلْم السامعِ به ، والإشارة بهذا اليوم إلى يومِ القيامةِ ، وخُصَّ الرسلُ بالذكْر ؛ لأنهم قادةُ الخَلْق ، وهم المكلَّمون أوَّلاً ، و { مَاذَا أَجَبْتُمُ } : معناه : ماذا أجابَتْكُمْ الأُمَمُ ، وهذا السؤالُ للرُّسُل إنما هو لتقُومَ الحجة على الأممِ ، واختلف الناسُ في معنى قولهم ـــ عليهم السلام ـــ : { لاَ عِلْمَ لَنَا } : قال الطبريُّ : ذُهِلُوا عن الجوابِ ، لهولِ المَطْلَع ؛ وقاله الحسنُ ، وعن مجاهدٍ ؛ أنه قال : يَفْزَعُون ، فيقولُون : لا علْمَ لنا ، وضعَّف بعضُ النَّاس هذا المنْزَع ؛ بقوله تعالَىٰ : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] ، وقال ابنُ عبَّاس : معنى الآية : لاَ عِلْمَ لنا إلا ما علَّمتنا ؛ أنْتَ أعلم به منَّا ، وقولُ ابنِ عباس حَسَن ، وهو أصوبُ هذه المناحِي ؛ لأنه يتخرَّج على التسليم للَّه تعالَىٰ ، وردِّ الأمر إلَيْه ؛ إذ هو العالِمُ بجميعِ ذلك ؛ على التَّفْصيل والكمالِ ، فرأَوُا التسليمَ والخضوعَ لعلْمه المحيطِ سبحانه ، قال مكِّيٌّ : قال ابنُ عباس : المعنَىٰ : لا علم لنا إلاَّ عِلمٌ أنت أعلَمُ به منَّا ، وهو اختيار الطبريِّ ، وقيل : لما كان السؤالُ عامًّا يقتضي بعمومه سؤالَهُم عَنْ سِرِّ الأمم وعلانِيَتِها ، رَدُّوا الأمر إلَيْهِ ؛ إذ ليس عندهم إلاَّ علْمُ الظاهر ؛ قال مكِّيٌّ : وهذا القولُ أحبُّ الأقوالِ إلَيَّ ، قال : ومعنى مسألة اللَّه الرُسلَ عمَّا أَجِيبُوا ، إنما هو لمعنَى التوبيخِ لمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْه ؛ كما قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } [ التكوير : 8 ] ، انتهى من « الهداية » . وقوله تعالى : { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ … } الآية : { قَالَ } هنا بمعنى يَقُولُ ؛ لأن ظاهر هذا القولِ أنه في القيامة ؛ تقدمة لقوله سبحانه : { ءَأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] . وقوله سبحانه : { وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ } ، أي : من قبورهم ، وكفُّ بني إسرائيل عنه ـــ عليه السلام ـــ هو رَفْعُهُ حِينَ أحاطوا به في الَبيْتِ مع الحواريِّين ، وكذلك مَنْعُه منْهم قَبْل ذلك إلَىٰ تلك النازلةِ الأخيرةِ ، فهناك ظَهَر عِظَمُ الكَفِّ . وقوله سبحانه : { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ } ، هو مِنْ جملة تعديدِ النِّعمِ علَىٰ عيسَى ـــ عليه السلام ـــ : و { أَوْحَيْتُ } ؛ في هذا الموضع : إما أن يكون وحْيَ إلهامٍ أَو وحْيَ أمْرٍ ، وبالجملةِ فهو إلقاءُ معنًى في خفاءٍ ، أوْصَلَهُ سبحانه إلَىٰ نفوسهم ، كيف شاء ، والرسولُ في هذه الآية : عيسَىٰ ، وقولُ الحواريِّين : { وَٱشْهَدْ } : يحتملُ أن يكون مخاطبةً منهم للَّه سبحانه ، ويحتملُ أنْ يكون لعيسَىٰ .