Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 1-1)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ … } الآية عامَّة في الوفاءِ بالعقودِ ، وهي الرُّبُوطُ في القَوْل ، كل ذلك في تعاهُدٍ علَىٰ بِرٍّ أوْ في عُقْدَةِ نِكاحٍ ، أوْ بَيْعٍ ، أو غيره ، فمعنى الآيةِ أمْرُ جميعِ المؤمنينَ بالوَفَاءِ علَىٰ عَقْدٍ جارٍ علَىٰ رَسْم الشريعةِ ، وفَسَّر بعض الناسِ لفْظَ « العقود » بالعُهُودِ ، وقال ابنُ شِهَابٍ : قرأْتُ كتابَ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثهُ إلَىٰ نَجْرَانَ ، وفِي صَدْرِهِ : « هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُوله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } ، فكتب الآياتِ إلى قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ المائدة : 4 ] . قال * ع * : وأصوبُ ما يقال في هذه الآية : أنْ تعمَّم ألفاظها بغايةِ مَا تَتَنَاوَلُ ، فيعمَّم لفظ المؤمنينَ في مُؤْمِنِي أهْلِ الكتابِ ، وفي كُلِّ مظهر للإيمانِ ، وإنْ لم يبطنْهُ ، وفي المؤمنينَ حقيقةً ، ويعمَّم لفظ العُقُودِ في كلِّ ربطٍ بقَوْلٍ موافِقٍ للحق والشَّرْع . وقوله تعالى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } اختلف في معنى { بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } . فقال قتادة وغيره : هي الأنعامُ كلُّها . * ع * : كأنه قال : أُحِلَّتْ لكم الأنعامُ . وقال الطبريُّ : قال قومٌ : بهيمةُ الأنعامِ : وحْشُهَا ، وهذا قولٌ حَسَنٌ ؛ وذلك أنَّ الأنعامَ هي الثمانيةُ الأزواجِ ، وٱنضافَ إلَيْهَا مِنْ سائر الحَيَوان ما يُقَالُ له : أنعامٌ بمجموعِهِ معها ، والبهيمة في كلامِ العربِ : ما أبهم من جِهَةِ نَقْص النُّطْق والفَهْم . وقوله : { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } : استثناءُ ما تُلِيَ في قوله تعالَىٰ : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } [ المائدة : 3 ] « وما » في موضعِ نَصْبٍ ؛ علَىٰ أصْل الاستثناءِ . وقوله سبحانه : { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ … } نُصِبَ « غير » ؛ على الحال من الكافِ والميمِ في قوله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ } ، وهو استثناءٌ بعد استثناءٍ . قال * ص * : وهذا هو قولُ الجمهورِ ، واعترض بأنَّه يلزم منه تقييدُ الحِلِّيَّةِ بِحَالَةِ كَوْنهم غِيْرَ محلِّين الصَّيْدَ ، وهم حُرُمٌ ، والْحِلِّيَّةُ ثابتةٌ مطلقاً . قال * ص * : والجوابُ عندي عَنْ هذا ؛ أنَّ المفهوم هنا مَتْرُوكٌ ؛ لدليلٍ خَارجيٍّ ، وكثيرٌ في القرآن وغيره من المَفْهُومَاتِ المتروكَةِ لِمُعارِضٍ ، ثم ذكر ما نقله أبو حَيَّان من الوُجُوه التي لم يَرْتَضِهَا . * م * : وما فيها من التكلُّف ، ثم قال : ولا شَكَّ أنَّ ما ذكره الجمهورُ مِنْ أنَّ « غَيْر » : حالٌ ، وإنْ لزم عنه الترك بالمفهومِ ، فهو أوْلَىٰ من تَخْرِيجٍ تَنْبُو عنه الفُهُوم . انتهى . وقوله سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } : تقويةٌ لهذه الأحكامِ الشرعيَّة المخالِفَةِ لِمعهود أحكامِ الجاهليَّة ، أي : فأنت أيها السَّامِعُ لِنَسْخِ تلك التي عَهِدتَّ ، تَنَبَّهْ ، فإنَّ اللَّه الذي هو مَالِكُ الكُلِّ يحكُمُ ما يريدُ لا مُعقِّب لحُكْمه سُبْحانه . قال * ع * : وهذه الآيةُ مما تَلُوحُ فصاحتها ، وكَثْرَةُ معانِيهَا علَىٰ قلَّة ألفاظها لكلِّ ذِي بَصَر بالكلامِ ، ولِمَنْ عنده أدنَىٰ إبْصَارٍ ، وقد حَكَى النَّقَّاش ؛ أنَّ أَصْحَابَ الكِنْدِيِّ قالوا للكنديِّ : أيُّهَا الحكيمُ ، ٱعْمَلْ لنا مثْلَ هذا القرآن ، فقال : نعم ، أعْمَلُ لكم مِثْل بعضِهِ ، فٱحتجَبَ أياماً كثيرةً ، ثم خَرَج ، فقال : واللَّهِ ، ما أَقْدِرُ عليه ، ولا يطيقُ هذا أحدٌ ؛ إني فتحْتُ المُصْحَفَ ، فخرجَتْ سورةُ المَائِدَةِ ، فنَظَرْتُ ، فإذا هو قد أَمَرَ بالوَفَاءِ ، ونهَىٰ عن النُّكْثِ ، وحلَّل تحليلاً عامًّا ، ثم ٱستثنَى ٱستثناءً بعد ٱستثناءٍ ، ثم أخبر عن قُدْرته وحِكْمته في سَطْرَيْنِ ، ولا يستطيعُ أحدٌ أنْ يأتِيَ بهذا إلاَّ في أَجْلاَدٍ .