Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } : خطابٌ للمؤمنين حقًّا ؛ ألاَّ يتعدَّوْا حدودَ اللَّهِ فِي أمْرٍ من الأمُور ، قال عطاء بنُ أبي رَبَاحٍ : شعائرُ اللَّه جمِيعُ ما أَمَرَ به سبحانَهُ ، أوْ نهَىٰ عنه ، وهذا قولٌ راجحٌ ، فالشعائِرُ : جَمْعُ شَعِيرَةٍ ، أيْ : قد أَشْعَرَ اللَّه أنَّها حَدُّهُ وطاعَتُهُ ، فهي بمعنَىٰ مَعَالِمِ اللَّهِ . وقوله تعالى : { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } : أي : لا تحلُّوه بقتالٍ ولا غَارَةٍ ، والأظْهَرُ أنَّ الشهر الحرام أُرِيدَ به رَجَبٌ ؛ ليشتدَّ أمره ، وهو شَهْرٌ كان تحريمُهُ مختصًّا بقريشٍ ، وكانَتْ تعظِّمه ، ويُحتملُ أنه أريد به الجنْسُ في جميع الأشهر الحُرُمِ . وقوله سبحانه : { وَلاَ ٱلْهَدْيَ } : أي : لا يستحلُّ وَلاَ يُغَارُ عليه ، ثم ذَكَر المُقَلَّدَ مِنْهُ تأكيداً ومبالغةً في التنبيه علَى الحُرْمَة في التَّقْليد ، هذا معنى كلامِ ابْنِ عبَّاس . وقال الجمهورُ : الهَدْيُ عامٌّ في أنواع ما يُهْدَىٰ قُرْبَةً ، والقَلاَئِدُ : ما كانَ النَّاس يتقلَّدونه من لِحَاءِ السَّمُرِ وغيره ؛ أَمَنَةً لهم . وقال * ص * : { وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ } : أي : ولا ذَوَاتِ القلائدِ ، وقيل : بل المرادُ القلائدُ نَفْسُها ؛ مبالغةً في النهْيِ عن التعرُّض للهدْيِ . انتهى . وقوله تعالى : { وَلاَ ءَامِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } : أيْ : قاصِدِينَهُ مِنَ الكفَّار ؛ المعنى : لا تحلُّوهم ، فَتْغيِرُونَ عليهم ، وهذا منسوخٌ بـ « آية السَّيْف » ؛ بقوله تعالى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] فكلُّ ما في هذه الآية ممَّا يتصوَّر في مُسْلِمٍ حاجٍّ ، فهو مُحْكَمٌ ، وكلُّ ما كان منها في الكُفَّار ، فهو منُسُوخٌ . وقوله سبحانه : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رَّبّهِمْ وَرِضْوٰناً } ، قال فيه جمهور المفسِّرين : معناه : يبتغونَ الفَضْلَ من الأرباحِ في التِّجَارة ، ويبتغُونَ مَعَ ذلك رِضْوَانَهُ في ظَنِّهم وطَمَعهم ، وهذه الآيةُ نزلَتْ عام الفَتْحِ ، وفيها استئلافٌ مِنَ اللَّهِ سبحانه للعَرَبِ ، ولُطْفٌ بهم ؛ لِتَنْبسطَ النفوسُ ؛ بتداخُلِ النَّاس ، ويَرِدُونَ المَوْسِمَ ، فيسمَعُونَ القرآن ، ويدخل الإيمانُ في قلوبهم ، وتَقُوم عليهم الحُجَّة ؛ كالذي كان ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّه ذلك كلَّه بعد عَامٍ في سَنَةِ تِسْعٍ ؛ إذْ حَجَّ أبو بَكْرٍ ( رضي اللَّه عنه ) ، ونودِيَ في الناسِ بسورة « بَرَاءَةَ » . وقوله تعالى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ } : مجيءُ إباحة الصَّيْد عَقِبَ التشْدِيدِ فيهِ حَسَنٌ في فَصَاحة القَوْل . وقوله سبحانه : { فَٱصْطَـٰدُواْ } : أمرٌ ، ومعناه الإباحةُ ؛ بإجماع . وقوله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } : معناه : لا يُكْسِبَنَّكم ، وجَرِمَ الرجُلُ : معناه : كَسَبَ ، وقال ابن عبَّاس : معناه : لا يَحْمِلَنَّكم ، والمعنَىٰ : متقارِبٌ ، والتفسيرُ الذي يخُصُّ اللفظةَ هو معنى الكَسْبِ . وقوله تعالى : { شَنَآنُ قَوْمٍ } : الشَّنَآنُ : هو البُغْض ، فأما مَنْ قرأ شَنَآنُ ـــ بفتح النون ـــ ، فالأظهرُ فيه أنه مصدَرٌ ؛ كأنَّه قَالَ : لا يُكْسِبَنَّكم بُغْضُ قومٍ مِنْ أجْل أَنْ صَدُّوكم عدواناً عليهم وظلماً لهم ، وهذه الآيةُ نزلَتْ عام الفَتْحِ سَنَة ثمانٍ ، حين أراد المسْلمونَ أنْ يَسْتَطِيلوا علَىٰ قريشٍ ، وألفافِهَا المتظَاهِرِينَ علَىٰ صَدِّ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وأصْحَابِهِ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ ، وذلك سنَةَ سِتٍّ من الهجرةِ ، فحصَلَتْ بذلك بِغْضَةٌ في قلوب المؤمنين ، وحيكة للكُفَّار ، فنُهِيَ المؤمنُونَ عَنْ مكافأتهم ، وإذْ للَّه فيهمْ إرادةُ خَيْرٍ ، وفي علمِهِ أنَّ منهم مَنْ يُؤْمِنُ كالذي كان . وقرأ أبو عمرو ، وابن كَثِيرٍ : « إنْ صَدُّوكُمْ » ، ومعناه : إنْ وَقَعَ مثْلُ ذلك فِي المُسْتقبل ، وقراءةُ الجمهور أمْكَنُ . ثم أمر سبحانه الجَمِيعَ بالتعاوُنِ عَلَى البِرِّ والتقوَىٰ ، قال قوم : هما لَفْظَانِ بمعنًى ، وفي هذا تَسَامُحٌ ، والعُرْفُ في دلالةِ هَذَيْنِ ؛ أنَّ البِرَّ يَتَنَاوَلُ الواجبَ والمَنْدُوبَ ، والتقوَىٰ : رعايةُ الوَاجِبِ ، فإنْ جعل أحدهما بَدَلَ الآخَرِ ، فبتجوُّز . قُلْتُ : قال أحمدُ بْنُ نَصْرٍ الداووديُّ : قال ابنُ عباس : البِرُّ ما أُمِرْتَ به ، والتقوَىٰ ما نُهِيتَ عنه . انتهى ، وقد ذكرنا في غَيْرِ هذا الموضعِ ؛ أنَّ لفظ التقوَىٰ يُطْلَقُ علَىٰ معانٍ ، وقد بيَّناها في آخر « سُورة النُّور » ، وفي الحديثِ الصحيحِ : " وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ " ، قال ابنُ الفَاكهانِيِّ ، عنْد شرحه لهذا الحديث : وقد رُوِّينَا في بعضِ الأَحاديثِ : " مَنْ سَعَىٰ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ المُسْلِمِ ، قُضِيَتْ لَهُ أَوْ لَمْ تُقْضَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ : بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ " ، انتهى مِن « شَرْح الأربعين » حديثاً . ثم نهَىٰ تعالَىٰ عن التعاوُنِ عَلَى الإثْمِ والعُدْوَانِ ، ثم أمر بالتقوَىٰ ، وتوعَّد توعُّداً مجملاً ، قال النوويُّ : وعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ : " أنَّهُ أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقَالَ : جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ البِرِّ والإِثْمِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : ٱسْتَفْتِ قَلْبَكَ ؛ البِرُّ : مَا ٱطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ ، وَٱطْمَأَنَّ إلَيْهِ القَلْبُ ، والإثْمُ : مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ ، وَتَردَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ " حديثٌ حَسَنٌ رَوَيْنَاه في مسنَدِ أحمَدَ ، يعني : ابْنَ حَنْبَلٍ ، والدَّارِمِي وغيرهما ، وفي « صحيح مسلم » ، عن النَّوَّاس بْنِ سَمْعَان ، عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " البِرُّ حُسْنُ الخُلُقَ ، والإثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " انتهى .