Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-43)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ … } الآية : تسليةٌ لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ وتقويةٌ لنفسه ؛ بسبب ما كان يلقَىٰ من طوائف المنافقين واليهود ، والمعنَىٰ : قد وعَدْناك النصْرَ والظهورَ عليهم ، فلا يحزنْكَ ما يقعُ منهم ، ومعنى المسارعة في الكُفْرِ : البِدَارُ إلى نَصْره ، والسعْيُ في كيد الإسلام ، وإطفاءِ نوره ، قال مجاهدٌ وغيره : قوله تعالى : { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ءَامَنَّا بِأَفْوٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } يراد به المنافقون . وقوله : { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ } : يراد به اليهودُ ، ويحتمل أن يراد به اليهود مع المنافقين ؛ لأن جميعهم يَسْمَعُ الكذبَ ، بعضَهُم مِنْ بعض ، ويقبلونه ؛ ولذلك جاءَتْ عبارة سَمَاعهم في صيغَةِ المبالغة ؛ إذِ المرادُ أنهم يُقْبِلُونَ ويستزيدون من ذلك . وقوله سبحانه : { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ } : يحتمل أنْ يريد : يَسْمَعُون منهم ، وذكر الطبريُّ عن جابر ؛ أن المراد بالقوم الآخرينَ يَهُودُ فَدَكَ ، وقيل : يهود خَيْبَر ، ويحتمل أنْ يكون معنى { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ } بمعنَىٰ : جواسيسَ مُسْتَرِقِينَ الكلامَ ؛ لينقلوه لقوم آخرينَ ، وهذا مما يمكن أن يتصف به المنافقُونَ ويهودُ المدينة ، قلْتُ : وهذا هو الذي نَصَّ عليه ابنُ إسحاق في السِّيَرِ . قال : * ع * : وقيل لسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ : هل جرى للجاسُوسِ ذكْرٌ في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ ؟ فقال : نعم ، وتلا هذه الآية : { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ } . وقوله سبحانه : { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } : هذه صفةُ اليهود في معنَىٰ ما حرَّفوه من التوراةِ ، وفيما يحرِّفونه من الأقوال عند كذبهم { مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } ، أي : من بعد أن وُضِعَ مواضِعَهُ ، وقصدت به وجوهه القويمة ، يقولون إن أوتيتم هذا ، فخذوه ، روي أنَّ يهود فَدَك قالوا ليهودِ المدينةِ : ٱسْتَفْتُوا محمَّداً ، فإن أفتاكم بما نَحْنُ عليه من الجَلْد والتَّجْبِيَةِ ، فخذوه ، وإن أفتاكم بالرَّجْم ، فٱحذروا الرجْمَ ؛ قاله الشعبيُّ وغيره وقيل غير هذا من وقائعهم ، فالإشارة بـ { هَـٰذَا } إلى التحميمِ والجَلْدِ في الزنا ، علَىٰ قولٍ ، ثم قال تعالَىٰ لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ ؛ على جهة قَطْع الرجاء منهم : { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ } أي : محنَتَهُ بالكفر ، { فلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } ، ثم أخبر تعالَىٰ عنهم ؛ أنهم الذين سَبَقَ لهم في علْمه ألاَّ يطهِّر قلوبَهُم ، وأنْ يكونوا مُدَنَّسِينَ بالكُفْر ، { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } ؛ بالذِّلَّة والمَسْكَنة الَّتي ضُرِبَتْ عليهم في أقطار الأرْضِ ، وفي كلِّ أُمَّة . قال * ص * : { سَمَّـٰعُونَ } ، أي : هم سمَّاعون ، ومثله أكَّالون . انتهى . وقوله سبحانه : { أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ } : فعَّالون ؛ بناءُ مبالغة ، أي : يتكرَّر أَكْلُهم ، ويَكْثُر ، والسُّحْت : كل ما لا يَحِلُّ كسبه من المال . وقوله تعالى : { فَإِن جَاءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } : تخييرٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولحكَّامِ أُمَّتِهِ بعده ، وقال ابنُ عباس وغيره : هذا التخْييرُ منسوخٌ بقوله سبحانه : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدة : 49 ] ، وقال كثيرٌ من العلماء : هي مُحْكَمَة ، وهذا هو الأظهر ؛ إن شاء اللَّه ، وفِقْهُ هذه الآية أنَّ الأَمَّة مُجْمِعَة فيما علمتُ علَىٰ أنَّ حاكم المسلمين يحْكُمُ بيْنَ أهْل الذمَّة في تظالمهم ، وأمَّا نوازل الأحْكَام التي لا تَظَالُمَ فيها ، فالحاكمُ مخيَّر ، وإذا رضي به الخَصْمان ، فلا بد مِنْ رِضَا أساقِفَتِهِمْ أو أحبارهم ؛ قاله ابن القاسِمِ في « العتبية » ، قلت : وعبارة الداووديُّ قال مالك : ولا يَحْكُمُ بينهم ، إذا ٱختار الحكم إلا في المظالمِ ، فيحكم بينهما بما أنزل اللَّه ، ولا يحكم فيهم في الزنا إلا أنْ يعلنوه ، فيعاقَبُونَ بسبب إعلانه ، ثم يردُّون إلى أساقفتهم ، قال مالك : وإنما رجم النبيُّ صلى الله عليه وسلم اليهودِيَّيْنِ قبل أنْ تكون لهم ذمَّة . انتهى . وقال ابنُ العربيِّ في « أحكامه » : إنما أَنْفَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحُكْمَ بينهم ؛ ليحقِّق تحريفَهُم ، وتبديلَهم ، وكَذِبَهم ، وكَتْمَهم مَا في التوراة ، ومنْه صفتُهُ صلى الله عليه وسلم فيها ، والرجْمُ علَىٰ زناتهم ، وعنه أخبر اللَّه تعالَىٰ بقوله : { يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [ المائدة : 15 ] ؛ فيكون ذلك من آياته الباهرةِ ، وحُجَجِهِ البيِّنة ، وبراهينِهِ القاطعةِ الدَّامغة للأَمَّة المُخْزية اليهودية . انتهى . وقوله تعالى : { وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } : أمَّنَ اللَّه سبحانَهُ نبيَّه من ضررهم ، إذا أعْرَضَ عنهم ، وحقَّر في ذلك شأنهم ، { وَإِنْ حَكَمْتَ } ، أي : ٱختَرْتَ الحكْمَ في نازلةٍ مَّا ، { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ } ، أيْ : بالعدل ، ثم قال سبحانه : { وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ } المعنى : وكيفَ يحكِّمونك بنيَّةٍ صادقةٍ ، وهم قد خالفوا حُكْمَ التوراة التي يصدِّقون بها ، وتولَّوْا عن حُكْمِ اللَّه فيها ؛ فأنْتَ الذي لا يؤمِنُونَ بك ـــ أحْرَىٰ بأن يخالفوا حُكْمَك ، وهذا بيِّن أنهم لا يحكِّمونه ـــ عليه السلام ـــ إلا رغبةً في ميله إلى أهوائهم . وقوله سبحانه : { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } ، أي : مِنْ بعد كونِ حكمِ اللَّه في التوراة في الرجْمِ وما أشبهه . وقوله تعالى : { وَمَا أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني : بالتوراة وبموسَىٰ .