Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 46-50)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ … } الآية : الضميرُ في { ءَاثَـٰرِهِمْ } للنبيِّين . وقوله : { وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } : خُصَّ المتقون بالذِّكْر ؛ لأنهم المقصودُ به في عِلْمِ اللَّه وإنْ كان الجميعُ يُدْعَىٰ إلى توحيدِ اللَّه ، ويوعَظُ ، ولكنَّ ذلك علَىٰ غَيْرِ المتَّقين عَمًى وحَيْرةٌ . وقرأ حمزة وحده : « وَلِيَحْكُمَ » ـــ بكسرِ اللامِ ، وفتحِ الميمِ ـــ ؛ على « لام كَيْ » ، ونصبِ الفعلِ بها ، والمعنَىٰ : وآتيناه الإِنجيل ؛ ليتضمَّن الهدَىٰ والنور والتصديق ، ولِيَحْكُمَ أهله بما أنزل اللَّه فيه ، وقرأ باقي السبْعَةِ : « وَلْيَحْكُمْ » ـــ بسكون لامِ الأمرِ ، وجزمِ الفعلِ ـــ ، ومعنى أمره لهم بالحكم : أي : هكذا يجبُ عليهم . قُلْتُ : وإذْ من لازم حكمهم بما أنزلَ اللَّه فيه ٱتِّبَاعُهُمْ لنبيِّنا محمد ـــ عليه السلام ـــ والإيمانُ به ؛ كما يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيلِ ، قال الفَخْر : قيل : المرادُ : ولْيحكُمْ أهل الإنجيل بما أنزل اللَّه فيه ؛ من الدلائلِ الدالَّة علَىٰ نبوَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم قيل : والمرادُ بالفاسقين : مَنْ لم يَمْتَثِلْ من النصارَى . انتهى ، وحَسُن عَقِبَ ذلك التوقيفُ علَىٰ وعيدِ مَنْ خالف ما أنزل اللَّه . وقوله سبحانه : { وَمُهَيْمِناً } ، أي : جعل اللَّه القُرآن مهيمناً على الكُتُب ، يشهد بما فيها من الحقائقِ ، وعلَىٰ ما نسبه المحرِّفون إليها ، فيصحِّح الحقائق ، ويُبْطِلُ التحريفَ ، وهذا هو معنَىٰ { مُهَيْمِناً } ، أي : شاهدٌ ، ومصدِّقٌ ، ومؤتَمَنٌ ، وأمينٌ ؛ حسَبَ اختلافِ عبارة المفسِّرين في اللفظة ، وقال المبرِّد : « مهَيْمِن » : أصله « مُؤَيْمِن » ؛ بُنِيَ من « أَمين » ؛ أبدلَتْ همزتُهُ هاءً ؛ كما قالوا : أَرَقْتُ المَاءَ ، وَهَرَقْتُهُ ؛ وٱستحسنه الزَّجَّاج . وقوله سبحانه : { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ } : المعنى ؛ عند الجمهور : إن ٱخْتَرْتَ أنْ تحكم ، فٱحكُمْ بينهم بما أنْزَلَ اللَّه ، وليسَتْ هذه الآيةُ بناسخةٍ لقوله : { أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } [ المائدة : 42 ] . ثم حذَّر اللَّه تعالى نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ من ٱتِّباع أهوائهم . وقوله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } ، أي : لكلِّ أمة ؛ قاله الجمهور ، وهذا عندهم في الأحكامِ ، وأما في المعتَقَدَاتِ ، فالدِّين واحدٌ لجميع العالَمِ ، ويحتملُ أنْ يكون المرادُ الأنبياءَ ، لا سيَّما وقد تقدَّم ذكرهم ، وذكر ما أُنْزِلَ عليهم ، وتجيء الآيةُ ، معَ هذا الاحتمال تنبيهاً لنبيِّنا محمَّد ـــ عليه السلام ـــ ، أيْ : فٱحفظْ شرعتك ومنهاجَكَ ؛ لئلاَ تستزلَّك اليهودُ ، أو غيرُهم في شيء منْه ، وأكثرُ المتأوِّلين على أن الشِّرْعَة والمِنْهَاجَ بمعنًى واحدٍ ، وهي الطريقُ ، وقال ابن عباس وغيره : { شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } : سبيلاً وسُنَّة ، ثم أخبر سبحانه ؛ أنه لَوْ شاء ، لَجَعَل النَّاس أُمَّةً واحدةً ، ولكنه لم يشأْ ؛ لأنه أراد ٱختبارهم وٱبتلاءهم فيما آتاهم مِنَ الكُتُب والشرائع ؛ كذا قال ابنُ جُرَيْج وغيره . ثم أمر سبحانه بٱستباقِ الخيراتِ في ٱمتثالِ الأوامر ، وخَتَمَ سبحانه بالموعظةِ والتَّذْكير بالمعادِ ، فقال : { إلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } ، والمعنى : فالبِدَار البِدَارَ . وقوله سبحانه : { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ، معناه : في الثَّوَاب والعقَاب ، فتُخْبَرُونَ به إخبار إيقاعٍ ، وهذه الآية بارعةُ الفَصَاحة ، جَمَعتِ المعانِيَ الكثيرةَ في الألفاظِ اليسيرة ، وكُلُّ كتابِ اللَّه كذلك ، إلاَّ أنَّا بقصورِ أفهامنا يَبِينُ لنا في بَعْضٍ أكثرُ ممَّا يبينُ لنا في بعض . وقوله تعالى : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ … } الآية : الهوَىٰ مقصورٌ يجمعُ على أهْوَاء ، والهَوَاء ممدودٌ يُجْمع على أَهْوِيَةٍ ، ثم حذَّر تعالَىٰ نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ من اليهودِ ؛ أنْ يفتنوه ؛ بأنْ يَصْرِفُوه عن شيء ممَّا أنزل اللَّه عليه مِنَ الأحكام ؛ لأنهم كانوا يريدُونَ أنْ يخدَعُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له مراراً : ٱحْكُمْ لنا في نازلةِ كَذَا بكَذَا ، ونَتَّبِعَكَ علَىٰ دينك . وقوله سبحانه : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } ، قبله محذوفٌ ، تقديره : فإِنْ حكَّموك وٱستقَامُوا ، فَنِعِمَّا ذلك ، وَإِن تَوَلَّوْا , { فَٱعْلَم … } الآية ، وخصَّص سبحانه إصابتهم ببَعْض الذنوبِ دون كلِّها ؛ لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا ، وذنُوبُهم نوعانِ : نوعٌ يخصُّهم ، ونوعٌ يتعدَّىٰ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين ، وبه توعَّدهم اللَّه في الدنيا ، وإنما يعذَّبون بالكُلِّ في الآخرة . وقال الفَخْر : وجوزُوا ببَعْض الذنوبِ في الدنيا ، لأنَّ مجازَاتهُمْ بالبَعْض - كافٍ في إهلاكهم وتدميرِهِمْ . انتهى . وقوله سبحانه : { فَٱعْلَم … } الآية : وعد للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقد أنجزه بقصَّة بني قَيْنُقَاعٍ ، وقصَّةِ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ ، وإجلاءِ عُمَرَ أهْلَ خيبَرٍ وفَدَك وغيرهم . وقوله تعالى : { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ } : إشارة إليهم ، ويندرجُ في عمومِ الآية غَيْرُهُمْ . وقوله تعالى : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } : إشارة إلى الكُهَّان الذين كانُوا يأخْذُون الحُلْوَان ، ويحكُمُون بحَسَب الشهوات ، { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً } ، أي : لا أحد أحسنُ منه حكماً تبارك وتعالَىٰ .