Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 51-53)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاءَ } : نهى اللَّه سبحانه المؤمنين بهذه الآية عَن اتخاذِ اليهودِ والنصارَىٰ أولياءَ في النُّصْرة والخُلْطة المؤدِّية إلى الامتزاج والمعاضَدَة ، وحُكْمُ هذه الآيةِ باقٍ ، وكلُّ مَنْ أكثر مخالطةَ هذَيْن الصِّنْفين ، فله حَظُّه من هذا المَقْت الذي تضمَّنه قوله تعالى : { فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ، وسببُ نزولِ هذه الآيةِ أنَّه لَمَّا ٱنْقَضَتْ بدْرٌ وشَجَر أمر بني قَيْنُقَاعٍ ، أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَتْلهم ، فقام دُونَهم عبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ٱبْنُ سَلُولَ مخاصِماً ، وقال : يا محمَّد ، أَحْسِنْ في مَوَالِيَّ ، فَإنِّي ٱمْرُؤٌ أَخَافَ الدوائِرَ ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : قَدْ وهبتُهُمْ لك ، ونزلَتِ الآية في ذلك . وقوله عزَّ وجلَّ : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } : جملةٌ مقطوعة من النَّهْيِ . وقوله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } : إنحاء علَىٰ عبد اللَّه بْنِ أُبَيٍّ ، وعلَىٰ كلِّ من ٱتَّصَفَ بهذه الصفة . وقوله سبحانه : { فَتَرَى ٱلَّذِينَ } : المعنى : فترَىٰ يا محمد ، { ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } ؛ إشارةً إلى عبد اللَّه بْنِ أُبَيٍّ ومَنْ تبعه من المنافقين علَىٰ مذهبه في حماية بني قَيْنُقَاعٍ . وقوله تعالى : { يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } : لفظٌ محفوظٌ عن عبد اللَّه بْنِ أُبَيٍّ ومن تبعه من المنافقين ، ودَائِرَةٌ : معناه نَازِلَةٌ من الزمان ، وإنما كان ابن أبيٍّ يظهر أنه يستَبْقِيهم لِنُصْرة النبيِّ ـــ عليه السلام ـــ ، وأنه الرأْيُ ، وكان يبطنُ خلافَ ذلك . وقوله سبحانه : { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ } ، وهو ظهورُ نبيه ـــ عليه السلام ـــ ، و علوُّ كلمته ، وتمكينُهُ مِنْ بني قَيْنُقَاعٍ وقريظَةَ والنَّضِيرِ ، وفَتْحُ مكَّة ، { أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } يُهْلِكُ بِهِ أعداءَ الشرع ، وهو أيضاً فتْحٌ لا يقع فيه للبَشَر سبَبٌ . وقرأ ابن الزُّبَيْر : « فَيُصْبِحَ الفُسَّاقُ عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ » . وقوله تعالى : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَهَـٰؤُلآءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } ، قرأ نافعٌ وغيره : « يَقُولُ » ـــ بغير واو ـــ ، وقرأ حمزة وغيره : « وَيَقُولُ » ، وقرأ أبو عمرو وحْده : « وَيَقُولَ » ـــ بالواو ، ونصبِ اللامِ ـــ ؛ فذَهَبَ كثيرٌ من المفسِّرين إلى أنَّ هذا القولَ مِنَ المؤمنين إنما هو إذا جاء الفتْحُ ، وحصَلَتْ ندامةُ المنافقين ، وفَضَحهم اللَّه تعالَىٰ ، فحينئذ : يقولُ المؤمنون : { أَهـَٰؤُلاء ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ } الآية . وتحتمل الآيةُ أنْ تكون حكايةً لقولِ المؤمنين في وقْتِ قولِ الذين في قلوبهم مرضٌ : { نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } : إذ فُهِمَ منهم أنَّ تمسُّكهم باليهودِ إنما هو إرصاد لِلَّهِ ولرسولِهِ ، فمَقَتَهم النبيُّ ـــ عليه السلام ـــ والمؤمنون ، وترك لهم النبيُّ ـــ عليه السلام ـــ بني قَيْنُقَاعٍ ؛ رغْبةً في المصلحة والأُلْفة ، وأما قراءة أَبي عَمْرٍو : « وَيَقُولَ » ـــ بالنصب ـــ ، فلا يتجه معها أَنْ يكون قولَ المؤمنين إلاَّ عند الفَتْح ، وظُهورِ ندامة المنافقينَ ، وفَضيحَتِهِمْ . وقوله تعالى : { جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } : نصْبُ « جَهْدَ » على المصدر المؤكِّد ، والمعنَىٰ : أهؤلاء هم المُقْسِمُون بٱجتهادٍ منهم في الأيمانِ ؛ إنهم لَمَعَكُمْ ، قد ظهر الآنَ منهم مِنْ موالاة اليهودِ ، وخَذْلِ الشريعةِ ــــ ما يُكَذِّبُ أيمانهم . وقوله : { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } : يحتملُ أنْ يكون إخباراً من اللَّه سبحانه ، ويحتملُ أنْ يكون مِنْ قول المؤمنين ، ويحتمل أنْ يكون قوله : { حَبِطَتْ } دعاءً ، أي : بَطَلَتْ أعمالُهم .