Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 64-64)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه وتعالى : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ … } إلى قوله : { لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } : هذه الآيةُ تعديدُ كبيرةٍ في أقوالهم وكُفْرهم ، أي : فَمَنْ يقول هذه العظيمةَ ، فلا يُسْتنكَرُ نفاقُهُ وسعْيُهُ في رَدِّ أمر اللَّه تعالى . قال ابن عباس وجماعة : معنى قولهم : التبخيلُ ؛ وذلك أنهم لحقَتْهم سَنَةٌ وجَهْدٌ ، فقالوا هذه المقالة ، يعْنُونَ بها ؛ أنَّ اللَّه بَخِلَ عليهم بالرِّزْقِ والتوسعَةِ ، تعالَى اللَّه عن قَوْلِهِمْ ، وهذا المعنَىٰ يشبه ما في قوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [ الإسراء : 29 ] فإن المراد : لا تَبْخَلْ ؛ ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُتَصَدِّقِ … " الحديثَ ، وذكر الطبري والنَّقَّاش ؛ أن هذه الآية نزلَتْ في فِنْحَاص اليَهُودِيِّ ، وأنه قالها . وقوله سبحانه : { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } : خبرٌ يحتملُ في الدنيا ، ويحتمل في الآخرة ، فإن كان خبراً عن الدنيا ، فالمعنَىٰ : غُلَّت أيديهم عن الخَيْرِ والإنفاقِ في وجوه البِرِّ ونحوه ، وإذا كان خبراً عن الآخرة ، فالمعنَىٰ : غُلَّتْ في النار ، قلْتُ : ويَحْتَمِلُ الأمْرَيْنِ معاً . وقوله تعالى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } : العقيدةُ في هذا المعنَىٰ : نَفْيُ التشبيه عن اللَّه سبحانه ، وأنه ليس بِجِسْمٍ ، ولا له جارِحَةٌ ، ولا يُشَبَّهُ ، ولا يُكَيَّفُ ، ولا يَتحيَّز ، ولا تَحُلُّهُ الحوادثُ ، تعالَىٰ عما يقول المبطلون عُلُوًّا كبيراً ، قال ابن عبَّاس في هذه الآية : { يَدَاهُ } : نعمتاه ، ثم ٱختلفَتْ عبارة النَّاس في تَعْيِين النعمتَيْن : فقيل : نعمةُ الدنيا ، ونعمةُ الآخرةِ ، وقيل : النعمة الظاهرة ، والنعمة الباطنةُ ، والظاهر أن قوله سبحانه : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } عبارةٌ عن إنعامه على الجملة ، وعبَّر عنها باليدَيْن ؛ جرياً على طريقة العرب في قولهم : فُلاَنٌ يُنْفِقُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ ؛ ومنه قول الأعْشَىٰ : [ الطويل ] @ يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ فَكَفٌّ مُفِيدَة وَكَفٌّ إذَا مَا ضُنَّ بِالمَالِ تُنْفِقُ @@ ويؤيِّد أن اليدَيْن هنا بمعنى الإنعامِ ـــ قرينةُ الإنفاق ، ثم قال تعالَىٰ لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم } ، يعني : اليهودَ { مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَـٰناً وَكُفْراً } ، ثم قال سبحانه : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، العداوة : أخصُّ من البغضاء ؛ لأن كلَّ عدوٍّ ، فهو يُبْغضُ ، وقد يُبْغضُ مَنْ ليس بعدُوٍّ ، والبغضاء : قد لا تتجاوَزُ النفوسَ ، وقد ألقى اللَّه سبحانه الأمرَيْن علَىٰ بني إسرائيل . قال الفَخْر : وقد أوقع اللَّه بَيْنَ فِرَقِهِمْ الخصومةَ الشَّديدة ، وانتهَىٰ أمرهم إلى أنْ يُكَفِّرَ بعضهم بعضاً ، وفي قوله : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ … } : قولان : أحدهما : أن المراد ما بَيْن اليهودِ والنصارَىٰ من العداوةِ ؛ لأنه جرَىٰ ذكْرُهُمْ في قوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء } [ المائدة : 51 ] ، وهذا قول الحسنِ ومُجَاهد . والثاني : ما وقع من العداوة بين فِرَقِ اليهود ، فإنَّ بعضهم جبريَّةٌ وبعضهم قَدَرية ، وبعضهم مُوَحِّدة ، وبعضهم مُشَبِّهة ، وكذلك بَيْن فرقِ النصارَىٰ ؛ كالمَلْكَانِيَّة ، والنُّسْطُورِيَّة ، واليَعْقُوبيَّة . انتهى . وقوله سبحانه : { كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } : ٱستعارةٌ بليغةٌ ، قال مجاهد : معنى الآيةِ : كلَّما أوقدوا ناراً لحَرْبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أطفأها اللَّه ، فالآيةُ بشارةٌ لنبيِّنا محمد ـــ عليه السلام ـــ وللمؤمنين ، وباقي الآية بيِّن .