Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 67-68)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ … } الآية : هذه الآية أمْرٌ مِنَ اللَّه تعالِىٰ لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ بالتبليغِ على الاستيفاءِ والكمالِ ؛ لأنه قد كان بَلَّغ صلى الله عليه وسلم ، وإنما أُمِرَ في هذه الآيةِ بِأَلاَّ يتوقَّفَ عن شَيْء مخافةَ أحَدٍ ؛ وذلك أنَّ رسالته ـــ عليه السلام ـــ تضمَّنت الطَّعْنَ علَىٰ أنواع الكَفَرة ، وبيانَ فسادِ حالِهِم ، فكان يَلْقَىٰ منهم صلى الله عليه وسلم عَنَتاً ، وربَّما خافهم أحياناً قبل نزول هذه الآية ، فقال الله تعالى له : { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ، أيْ : كاملاً ، { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، قالتْ عائشةُ أمُّ المؤمنين ( رضي اللَّه عنها ) : « مَنْ زَعَمَ أنَّ محمداً كَتَمَ شيئاً مِنَ الوَحْيِ ، فقد أَعْظَم الفريةَ ، واللَّه تعالى يقولُ : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ … } الآية » ، وقال عبدُ اللَّهِ ابنُ شَقِيقٍ : كان رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتعقبه أصحابُهُ يحْرُسُونه ، فلما نزلَتْ : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، خرَجَ ، فقَالَ : " يَا أَيُّها النَّاسُ ، ٱلْحَقُوا بِمَلاَحِقِكُمْ ؛ فَإنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنِي " ، قلْتُ : وخرَّج الترمذيُّ هذا الحديثَ أيضاً من طريق عائشة ، وكما وجَبَ عليه التبليغُ ـــ عليه السلام ـــ ، وجب علَىٰ علماءِ أمته ، وقد قال ـــ عليه السلام ـــ : " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَة " ، وعن زيدِ بنِ ثابتٍ ( رضي اللَّه عنه ) قَالَ : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " نَضَّرَ اللَّهُ ٱمْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً ، فَحَفِظَهُ حَتَّىٰ يُبَلِّغَهُ ؛ فَرُبَّ حَامِلٍ فِقْهٍ إلَىٰ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيةٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَىٰ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ " ، رواه أبو داود ، واللفظ له ، والترمذيُّ والنسائي وابنُ ماجة ، وابن حِبَّانَ في « صحيحِهِ » ، وقال التِّرمذيُّ : هذا حديثٌ حسنٌ ، ورواه مِنْ حديث ابن مسعود ، وقال : حسنٌ صحيحٌ . انتهى من « السلاح » . وقال محمد بن كَعْبٍ القُرَظِيُّ : نزِلَتْ هذه الآيةُ بسبب الأعرابيِّ الذي ٱخْتَرَطَ سيْفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ ليقتُلَهُ به . قال ابنُ العربيِّ : قوله تعالَىٰ : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } : معناه : يَجْعَلْ بينَكَ وبينهم حجاباً يمنع من وصُولِ مكروههم إلَيْك ؛ كَعِصَامِ الْقِرْبَةِ الذي يَمْنَعُ سَيَلاَنَ الماءِ منها ، ولعلمائنا في الآية تأويلاتٌ . أصحها : أنَّ العصمة عامَّة في كلِّ مكروهٍ ، وأنَّ الآية نزلَتْ بعد أنْ شُجَّ وجهه ، وكُسِرَتْ ربَاعِيَتُهُ صلى الله عليه وسلم . وقيل : إنه أراد مِنَ القتل خاصَّة ، والأول أصحُّ ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ بَعْضَ هذه العَصْمَةِ بمكَّة في قوله تعالى : { إِنَّا كَفَيْنَـٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءِينَ } [ الحجر : 95 ] ثم كمُلَتْ له العصْمَةُ بالمدينةِ ، فعُصِمَ من النَّاس كلِّهم . انتهى من كتابه في تفسير أفعال اللَّه الواقعة في القرآن . ثم أمر تعالَىٰ نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ ؛ أنْ يقولَ لأهْل الكتابِ الحاضِرِينَ معه : { لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْء } ، أيْ : علَىٰ شيءٍ مستقيمٍ ؛ { حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإنجِيلَ } ، وفي إقامتهما الإيمانُ بنبيِّنا محمَّد ـــ عليه السلام ـــ ، قلْتُ : وهذه الآية عنْدِي مِنْ أَخْوَفِ آية في القرآنِ ؛ كما أشار إلى ذلك سفيانُ ، فتأمَّلها حقَّ التأمُّل . وقوله سبحانه : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبِّكُمْ } الآية : يعني به القرآن .