Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 71-75)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ } : المعنى في هذه الآيةِ : وظَنَّ هؤلاءِ الكفرةُ باللَّه ، والعصاةُ مِنْ بني إسرائيل ألاَّ يكونَ مِنَ اللَّه ابتلاءٌ لهُمْ وأخذ في الدنيا ، فلَجُّوا في شهواتهم ، وعَمُوا فيها ، إذْ لم يُبْصِرُوا الحقَّ ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : " حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ " وقوله سبحانه : { ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } ، قالتْ جماعة من المفسِّرين : هذه التوبةُ هِيَ رَدُّهم إلى بَيْتِ المَقْدِس بعد الإخراج الأول ، ورَدُّ مُلْكِهِمْ وحَالِهِم ، ثم عَمُوا وصَمُّوا بعد ذلك ؛ حتى أُخْرِجُوا الخرجةَ الثانيةَ ، ولم ينجبرُوا أبداً ، ومعنى : { تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } ؛ أي : رجَعَ بهم إلى الطاعةِ والحقِّ ، ومِنْ فصاحة القُرآن : ٱستنادُ هذا الفعْلِ الشريفِ إلى اللَّه تعالَىٰ ، وٱستنادُ العَمَىٰ وَالصَّمَمَ اللَّذَيْن هما عبارةٌ عن الضَّلال ؛ إليهم ، ثم أخبر تعالَىٰ إخباراً مؤكَّداً بلام القَسَمِ عن كُفْر القائلين : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } وهذا قولُ اليَعْقُوبِيَّةِ من النَّصَارَىٰ ، ثم أخبر تعالَىٰ عن قول المسيحِ لهم ، فقال : { وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَـٰبَنِي إِسْرٰءِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ … } الآية : فضَلُّوا هم ، وكفروا ؛ بسَبَب ما رأَوْا علَىٰ يديه من الآيات . وقوله تعالى : { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } ، يحتملُ أنْ يكون مِنْ قولِ عيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ لبني إسرائيل ، ويحتمل أنْ يكون إخباراً من اللَّه سبحانه لنبيِّه محمد ـــ عليه السلام ـــ . وقوله تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ … } الآية : إخبارٌ مؤكِّد ؛ كالذي قبله ، عن هذه الطائفة النَّاطقة بالتثليث ، وهم فِرَقٌ ، منهم النُّسْطُورِيَّة وغيرهم ، ولا معنَىٰ لذكْر أقوالهم في كُتُب التَّفْسِير . وقوله سبحانه : { ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } : لا يَجوزُ فيه إلاَّ الإضافةُ ، وخفض « ثلاثة » ؛ لأن المعنَىٰ أحدُ ثلاثةٍ ، فإنْ قلت : زَيْدٌ ثَالِثُ ٱثْنَيْنِ ، أَوْ رَابِعُ ثَلاَثَةٍ ، جاز لك أنْ تضيفَ ؛ كما تقدَّم ، وجاز ألاَّ تضيفَ ، وتَنْصِب « ثَلاَثة » ؛ على معنى : زَيْدٌ يربِّع ثلاثةً . وقوله سبحانه : { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ … } الآية : خَبَرٌ صادِعٌ بالحَقِّ ، وهو سبحانه الخالِقُ المُبْدِعُ المتَّصِفُ بالصفات العُلاَ ، سبحانه وتعالى عَمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيراً ، ثم توعَّدهم ، إنْ لم ينتهوا عما يقولُونَ ، ثم رَفَق جلَّ وعلا بهم ؛ بتحضيضه إيَّاهم على التوبة ، وطَلَبِ المَغْفرة ، ثم وصَفَ نفسه سبحانه بالغُفْرَانِ والرَّحْمة ؛ ٱستجلاباً للتائِبِينَ وتَأْنيساً لهم ؛ ليكونوا علَىٰ ثِقَةٍ من الانتفاعِ بتوبتهم . قال * ص * : { لَيَمَسَّنَّ } : اللامُ فيه جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ قبل أداة الشرطِ . انتهى . وقوله تعالى : { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } : بناءُ مبالغةٍ مِنَ الصِّدْقِ ، ويحتملُ من التَّصْديق ؛ وبه سُمِّيَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ ( رضي اللَّه عنه ) ؛ وهذه الصفةُ لمريم تدفع قولَ مَنْ قال : إنها نَبِيَّةٌ . وقوله سبحانه : { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } : تنبيهٌ علَىٰ نقص البشريَّة ، وعلَىٰ حالٍ مِنَ الاحتياجِ إلى الغذاءِ تنتفِي معها الألوهيَّةُ ، و { يُؤْفَكُونَ } : معناه : يُصْرَفُونَ ؛ ومنه قوله عز وجل : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [ الذاريات : 9 ] ، والأرْضُ المأْفُوكَةُ الَّتِي صُرِفَتْ عن أن ينالها المَطَرُ ، والمَطَرُ في الحقيقةِ هو المَصْرُوفُ ، ولكنْ قيل : أرضٌ مأفوكةٌ ؛ لما كانَتْ مأفوكاً عنها .