Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 32-37)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } يحتمل أنْ يكونَ معناه : يقال لهم في الآخرة عند إزلاف الجنة : هذا الذي كنتم توعدون به في الدنيا ، ويحتمل أنْ يكون خطاباً لِلأُمَّةِ ، أي : هذا ما توعدون أَيُّها الناس { لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } : والأَوَّابُ : الرَّجَّاعُ إلى الطاعة وإلى مراشد نفسه ، وقال ابن عباس وعطاء : الأَوَّابُ : المُسَبِّحُ ؛ من قوله : { يَٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ } [ سبأ : 10 ] وقال المُحَاسِبِيُّ : هو الراجع بقلبه إلى ربه ، وقال عبيد بن عمير : كُنَّا نتحدث أَنَّه الذي إذا قام من مجلسه استغفر اللَّه مِمَّا جرى في ذلك المجلس ، وكذلك كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يفعل ، والحفيظ معناه : لأوامر اللَّه ، فيمتثلها ، ولنواهيه فيتركها ، وقال ابن عباس : حفيظ لذنوبه حَتَّى يرجعَ عنها ، والمُنِيبُ : الراجع إلى الخير المائِلُ إليه ؛ قال الدَّاوُودِيُّ : وعن قتادَةَ { بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } قال : مُقْبِلٌ على اللَّه سبحانه ، انتهى . وقوله سبحانه : { ٱدْخُلُوهَا } أي : يقال لهم : ادخلوها . وقوله عز وجل : { لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } خبر بأَنَّهم يُعْطَوْنَ آمالهم أجمع ، ثم أبهم تعالى الزيادةَ التي عنده للمؤمنين المُنَعَّمِينَ ، وكذلك هي مُبْهَمَةٌ في قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] وقد فسر ذلك الحديثُ الصحيحُ ، وهو قوله ـــ عليه السلام ـــ : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ : مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، بَلْهَ مَا اطَّلَعْتُمْ عَلَيْهِ " قال * ع * : وقد ذكر الطبريُّ وغيره في تعيين هذا المزيد أحاديثَ مطولة ، وأشياءَ ضعيفةً ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى يقول : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ } وهم يعينونها تكلفاً وتعسفاً . وقوله تعالى : { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } أي : ولجوا البلادَ من أنقابها ؛ طمعاً في النجاة من الهلاك { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي : لا محيصَ لهم ، وقرأ ابن عباس وغيره : « فَنَقِّبُوا » على الأمر لهؤلاء الحاضرين . * ت * : وعبارة البخاريِّ « فَنَقَّبُوا » : ضربوا ، وقال الداودي : وعن أبي عبيدةَ { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } : طافوا ، وتباعدوا ، انتهى . وقوله تعالىٰ : { إِنَّ فِى ذَلِكَ } يعني : إهلاك مَنْ مضى { لَذِكْرِى } أي : تذكرة ، والقلبُ عبارة عن العقل ؛ إذْ هو مَحِلُّهُ ، والمعنى : لمن كان له قلب واعٍ ينتفعُ به ، وقال الشبليُّ : معناه : قلب حاضر مع اللَّه ، لا يغفلُ عنه طرفةَ عين . وقوله تعالى : { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } معناه : صَرَفَ سَمْعَهُ إلى هذه الأنباء الواعظة ، وأثبته في سماعها { وَهُوَ شَهِيدٌ } قال بعض المتأولين : معناه : وهو مشاهِد مُقْبَلٌ على الأمر ، غيرُ مُعْرِضٍ ولا مُفَكِّرٍ في غير ما يسمع . * ت * : ولفظ البخاريِّ { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أي : لا يحدث نفسَه بغيره { شَهِيدٌ } أي : شاهد بالقلب ، انتهى ، قال المُحَاسِبيُّ في « رعايته » : وقد أَحْبَبْتُ أَنْ أَحُضَّكَ على حُسْنِ الاستماع ؛ لتدركَ به الفهمَ عن اللَّه عز وجل في كُلِّ ما دعاك إليه ؛ فإنَّه تعالى أخبرنا في كتابه أَنَّ مَنِ استمع كما يُحِبُّ اللَّهُ تعالى وَيَرْضَى ، كان له فيما يستمع إِليه ذِكْرَى ، يعني : اتعاظاً ، وإذا سَمَّى اللَّه عز وجل لأحد من خلقه شَيْئاً فهو له كما سَمَّى ، وهو واصل إليه كما أخبر ؛ قال عز وجل : { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } قال مجاهد : شاهد القلب ، لا يُحَدِّثُ نفسَه بشيء ليس بغائب القلب ، فَمَنِ استمع إلى كتاب اللَّه عز وجل ، أو إلى حكمة ، أو إلى علم ، أو إلى عِظَةٍ ، لا يُحَدَّثُ نفسَه بشيء غيرِ ما يستمع إليه ، قَدْ أشهد قَلْبَهُ ما استمع إليه ، يريدُ اللَّهَ ـــ عز وجل به ـــ : كان له فيه ذكرى ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى قال ذلك ، فهو كما قال عز وجل ، انتهى كلام المحاسبيِّ ، وهو دُرٌّ نفيس ، فَحَصِّلْهُ ، واعملْ به تَرْشُدْ ، وقد وجدناه ، كما قال ، وباللَّه التوفيق .