Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 56-60)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } قال ابن عباس وعليٌّ : المعنى : ما خلقت الجن والإنس إلاَّ لآمرهم بعبادتي ، وليقرُّوا لي بالعبودِيَّةِ ، وقال زيد بن أسلمَ وسفيان : هذا خاصٌّ ، والمراد : ما خلقت الطائعين من الجن والإنس إلاَّ لعبادتي ، ويؤَيِّدُ هذا التأويلَ أَنَّ ابن عباس رَوَى عَن النبي صلى الله عليه وسلم : أَنَّهُ قَرَأَ : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ " ، وقال ابن عباس أيضاً : معنى { لِيَعْبُدُونِ } : ليتذللوا لي ولقدرتي ، وإنْ لم يكن ذلك على قوانينِ شرع ، وعلى هذا التأويل فجميعهم من مُؤمن وكافر مُتَذَلِّلٌ للَّه عز وجل ؛ أَلاَ تراهم عند القحوط والأمراض وغيرِ ذلك كيف يخضعون للَّه ويتذللون ؟ ! . * ت * : قال الفخر : فإنْ قيل : ما العبادة التي خلق اللَّه الجن والإنسَ لها ؟ قلنا : التعظيم لأمر اللَّه ، والشفقةُ على خلق اللَّه ؛ فإنَّ هذين النوعينِ لم يَخْلُ شرعٌ منهما ، وأَمَّا خصوص العبادات فالشرائع مختلفة فيها : بالوضع والهيئة ، والقِلَّةِ والكَثْرَةِ ، والزَّمان والمكان ، والشَّرَائِطِ والأركان ، انتهى ، ونقل الثعلبيُّ وغيره عن مجاهد : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } أي : ليعرفوني ، قال صاحب « الكَلِمِ الفارقية » : المعرفة باللَّه تملأ القلبَ مَهَابَةً ومخافَةً ، والعينَ عَبْرَةً وعِبْرةً وحياءً وخَجْلَةً ، والصَّدْرَ خُشُوعاً وَحُرْمَةً ، والجوارحَ استكانةً وذِلَّةً وطاعةً وخدمةً ، واللسانَ ذكراً وحمداً ، والسمعَ إصغاءً وَتفَهُّماً ، والخواطِرَ في مواقف المناجات خموداً ، والوساوِسَ اضمحلالاً ، انتهى . وقوله سبحانه : { مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } أي : أنْ يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم . وقوله : { أَن يُطْعِمُونِ } أي : أنْ يطعموا خَلْقِيَ ؛ قاله ابن عباس ، ويحتمل أنْ يريد : أنْ ينفعوني ، و { ٱلْمَتِينُ } : الشديد . * ت * : ورُوِّينَا في « كتاب التِّرْمِذِيِّ » عن أبي هريرةَ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : يَا بْنَ آدَمَ ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى ، وأَسُدَّ فَقْرَكَ ، وَإلاَّ تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَكَ شُغْلاً ، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ " ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن ، ورُوِّينَا فيه عن أنس قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ في قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهْ شَمْلَهُ ، وأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَل اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ " انتهى . وقوله سبحانه : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } : يريد أهل مَكَّةَ ، والذّنوب : الحَظُّ والنصيب ، وأصله من الدَّلْوِ ؛ وذلك أَنَّ الذَّنُوبَ هو مِلْءُ الدَّلْوِ من الماء ، وكذا قال أبو حيان : { ذَنُوبِ } ، أي : نصيباً ، انتهى و { أَصْحَـٰبِهِمْ } : يُرَادُ بهم مَنْ تقدم من الأمم المُعَذَّبَةِ ، وباقي الآية وعيد بَيِّنٌ .