Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 42-54)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } أي : مُنْتَهَى الخلق ومصيرُهم ، اللَّهمَّ أطلعنا على خيرك بفضلك ، ولا تفضحْنا بين خلقك ، وجُدْ علينا بسترك في الدارين ! وَحُقَّ لعبد يعلم أَنَّه إلى ربه منتهاه ؛ أَنْ يرفض هواه ؛ ويزهدَ في دنياه ، ويُقْبِلَ بقلبه على مولاه ؛ ويقتدي بنبيٍّ فَضَّلَهُ اللَّهُ على خلقه وارتضاه ؛ ويتأمل كيف كان زهده صلى الله عليه وسلم في دنياه ؛ وإِقباله على مولاه ؛ قال عياض في « شفاه » : وأما زُهْدُهُ صلى الله عليه وسلم ، فقد قدمنا من الأخبار أثناء هذه السيرة ما يكفي ، وحَسْبُكَ من تقلُّله منها وإِعراضِهِ عَنْهَا وعن زَهْرَتِها ، وقد سِيقَتْ إليه بحذافيرها ، وترادفَتْ عليه فُتُوحَاتُهَا ـــ أَنَّهُ تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ ، وهو يدعو ، ويقول : « اللَّهُمَّ ٱجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً » . وفي « صحيح مسلم » عن عائشة ـــ رضي اللَّه عنها ـــ قالت : " ما شَبِعَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعاً حَتَّىٰ مَضَىٰ لِسَبِيلِهِ " . وعنها - رضي اللَّه عنها - قالت : " لَمْ يَمْتَلِىءْ جَوْفُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِبَعاً قَطُّ ، وَلَمْ يَبُثَّ شَكْوَىٰ إلَىٰ أَحَدٍ ، وَكَانَتِ الْفَاقَةُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الْغِنَىٰ ، وَإِنْ كَانَ لَيَظَلُّ جَائِعاً يَلْتَوِي طُولَ لَيْلَتِهِ مِنَ الْجُوعِ ، فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ صِيَامَ يَوْمِهِ ، وَلَوْ شَاءَ سَأَلَ رَبَّهُ جَمِيعَ كُنُوزِ الأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَرَغْدِ عَيْشِهَا ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي لَهُ ؛ رَحْمَةً مِمَّا أَرَىٰ بِهِ ، وَأَمْسَحُ بِيَدِي عَلَىٰ بَطْنِهِ مِمَّا بِهِ مِنَ الْجُوعِ ، وَأَقُولُ : نَفْسِ لَكَ الْفِدَاءُ لَوْ تَبَلَّغْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يَقُوتُكَ ! فَيَقُولُ : يَا عَائِشَةُ ، مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ! إخْوَانِي مِنْ أُولي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَبَرُوا عَلَىٰ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هٰذَا ، فَمَضَوْا عَلَىٰ حَالِهِمْ ، فَقَدِمُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ فَأَكْرَمَ مَآبَهُمْ ، وَأَجْزَلَ ثَوَابَهُمْ ، فَأَجِدُنِي أَسْتَحِيي إنْ تَرَفَّهْتُ فِي مَعِيشَتِي أنْ يُقَصِّرَ بِي غَداً دُونَهُمْ ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ اللُّحُوقِ بإخْوَانِي وأَخِلاَّئِي ، قَالَتْ : فَمَا أَقَامَ بَعْدُ إلاَّ أَشْهُراً حَتَّىٰ تُوُفِّيَ ـــ صلواتُ اللَّهُ وسَلاَمُهُ عليه ـــ " انتهى ، وباقي الآية دَلالة على التوحيد واضحة ، و { ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } : هي إعادة الأجسام إلى الحشر بعد البِلَى ، { وَأَقْنَىٰ } معناه : أَكْسَبَ ما يُقْتَنَى ؛ تقول : قنيت المالَ ، أي : كسبْته ، وقال ابن عباس : { وَأَقْنَىٰ } : قنَّع ، قال * ع * : والقناعة خير قُنْيَةٍ ، والغِنَى عرض زائل ، فَلِلَّهِ دَرُّ ابن عباس ! و { ٱلشِّعْرَىٰ } : نجم في السماء ، قال مجاهد وابن زيد : هو مرزم الجَوْزاء ، وهما شِعْرَيَانِ : إحداهما الغُمَيْصَاءُ ، والأُخرى العَبُور ؛ لأَنَّها عَبَرَتِ المجرَّةَ ، وكانت خُزَاعَةُ مِمَّنْ يَعْبُدُ هذه الشعْرَى العَبُورَ ، ومعنى الآية : وَأَنَّ اللَّه سبحانه رَبُّ هذا المعبودِ الذي لكم و { عَاداً ٱلأُولَىٰ } : اختلف في معنى وصفها بالأُولى ، فقال الجمهور : سُمِّيتْ « أولى » بالإضافة إلى الأمم المتأخِرة عنها ، وقال الطبريُّ وغيره : سُمِّيتْ أولى ؛ لأَنَّ ثَمَّ عاداً آخرةً ، وهي قبيلة كانت بمكَّةَ مع العماليق ، وهم بنو لقيم بن هزال ، واللَّه أعلم ، وقرأ الجمهور : « وَثَمُودَا » بالنصب ؛ عطفاً على « عاداً » « وقومَ نوحٍ » عطفاً على « ثمود » . وقوله : { مِّن قَبْلُ } لأَنَّهم كانوا أَوَّلَ أُمَّة كَذَّبت من أهل الأرض ، { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ } : قرية قومِ لوطٍ { أَهْوَىٰ } أي : طرحها من هواء عالٍ إلى سفل .